العلم الأول والآخر ، فكذلك الطهارة والصفاء في القلب إنما يرادان لحصول المعرفة فهي في ظرف تحققهما متحققة كما لا يخفى . فتحصّل مما ذكر : أنّ المحبة الشديدة ، التي هي العامل الوحيد لحصول المعرفة به تعالى ، أي حصول لقائه ومشاهدة جماله وجلاله ، لا تحصل إلا بقطع العلائق ، وبالمعرفة أي النظر في آيات الآفاق والأنفس ، فإنه الموصل إلى تلك المعرفة من لقائه ومشاهدته تعالى ، فظهر أنّ هذه المعرفة المتوقفة عليها المحبّة ، غير المعرفة التي تتوقف المعرفة عليها فلا تغفل . وهذه المعرفة هي التدبر والتفكر في بدائع الفطرة والاعتبار منها ، والنظر في آيات الآفاق والأنفس التي هي خارجة عن حدّ الحصر ، إذ النجاة من العذاب الدائم قد علمت أنها موقوفة على حبّ الله تعالى وعدم الاشتراك فيه وهذا متوقف على هذه المعرفة الحاصلة من هذه التدبرات فهي كالمقدمة التي لا يتم الواجب إلا بها فهي واجبة على كل مسلم طالب للمعرفة ومسلمة . التدبر في آيات الله : فصل : اعلم : أنّ التدبر في الآيات الإلهية على أقسام على حسب درجات المتدبّرين . الأول : أن ينظر إلى نور الوجود قال تعالى : الله نور السماوات والأرض 24 : 35 [1] ، فينظر إلى نوره وأنه منتشر في أهوية ماهيات الممكنات ، المنبسط على سطوح هياكل الممكنات ، ثم يعرف من حقيقته المطلقة ، التي هي أجلى من كلّ متصور وأول كلّ تصور ، تقدمه على كلّ شيء له ماهية غير الوجود ، حتى ينكشف له ما هو نفس حقيقة الوجود المحض المجرد عن كلّ موضوع ومحلّ ، والمستغني عن كلّ سبب