فاعلي أو غائي أو مقوم فصلي أو مقسم أو مشخّص أو صوري أو ماديّ ، فتراه مستغنيا عن هذه كلَّها لأنها تنافي أوليته وتقدمه جلّ وعلا . فيعلم أنه بسيط الحقيقة من كلّ الوجوه ، غنيّ عما سواه مفتقر إليه ما سواه رفعا للدور والتسلسل ، فيعلم من هذا أيضا أنّ صفاته الكمالية عين ذاته والجميع أمر واحد ، فلا تكثّر في الواجب بالذات فيكون الباري آحدي الذات والصفات جميعا ، فتكون خالقيته بما هو ذاته ووجوده ، ومنه يعلم أنّ فعله تعالى واحد قال تعالى : وما أمرنا إلا واحدة 54 : 50 وهؤلاء الواصلون إلى هذه النعمة العظيمة هم السابقون الذين درجتهم درجة العقول القادسة والملائكة المهيّمة ، فإن أول معرفتهم لله تعالى وبه يعرفون غيره كما قال تعالى إشارة إلى حالهم : أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد 41 : 53 [1] وإليه يشير قول بعضهم لمّا قيل له : بم عرفت ربّك ؟ فقال : عرفت ربّي بربّي ، ولولا ربّي ما عرفت ربّي ، وقال عليه السّلام في دعاء أبي حمزة : بك عرفتك ولولا أنت لم أدر ما أنت . ولعمري إنّ الطريق الأعلى ، والمشرب الأصفى عن شوب الإشراك هو هذا الطريق أعني الاستشهاد بالحق على سائر الخلق كما هو الواقع ، فإن الموجود أوّلا هو الذي يستشهد به على وجود الحادث ، وكيف كان فإن وجود الموجودات رشح وتبع لوجوده تعالى ، فينبغي أن يكون المعلوم المشهود على وفق الواقع الموجود ، وهذه الطريقة طريقة الصديقين الذين يعرفون بنور الحق ما سواه ، ولا يستدلَّون على نور الوجود بهذا الظلام ، ولا على صباح الفطرة بليالي هذه الأجسام ، إلا أنّ هذا الطريق غامض دقيق ، والكلام فيه خارج عن فهم أكثر الخلائق فالأولى إحالة الكلام فيه إلى محلَّه وأهله . الثاني : ما هو دون المرتبة السابقة ، وهو أن ينظر في حقائق الممكنات من