تحصيل معرفته تعالى : ثم أنه لا بأس بشرح حال الإنسان الواصل ، وما به وصله وسلوكه إليه تعالى إلى أن يصل ويتّصف بولاية الله تعالى فيتم الكلام فيه في فصول . الفصل الأول : اعلم أنّ معرفة الذات تعالى وتقدس من أضيق المعارف مجالا ، وأعسرها مسلكا ومقالا ، وأشدها على الفكر منالا ، وأبعدها عن قبول الذكر ، لا يظفر منها ملوك الآخرة إلا باليسير كالكبريت الأحمر ، ولذلك لا يشتمل القرآن منها إلا على رموز وإشارات ، ويرجع أكثرها لأهل الفكر والعقل إلى التقديس والتنزيه المطلق وسلب النقائص مطلقا ، كقوله تعالى : ليس كمثله شيء 42 : 11 وكسورة الإخلاص ، أو إلى التعظيم المطلق كقوله تعالى : سبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون 37 : 180 وكقوله تعالى : بديع السماوات والأرض 2 : 117 هذا بالنسبة إلى معرفة الذات المقدّسة . ثم إنّ ما يمكن من المعرفة بها للإنسان بالنحو المجاز من الشرع لتحصيلها ، هو أن يعلم أن وراء هذه المتحيّزات بل الممكنات موجودا قديما قادرا - أي واجبا بالذات صانعا للعالم - وذلك بالنظر إلى حقيقة الوجود المعلوم بوجه ما - وأن له فردا موجودا بذاته ، وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه ، أو وجود الممكن من غير سبب - إذ جميع الممكنات في حكم ممكن واحد - في خلوّ ذاته عما يوجب الاتصاف بالوجود - فبملاحظة خلوّ ذات الممكن وعريه عن طبيعة الوجود ذاتا واقتضاء واستلزاما ، وبملاحظة استحالة كون المحال قابلا للوجود - يحكم العقل الصافي عن المحذورات والأمراض النفسانيّة بوجود القيوم المستغني عمّا سواه . كما قال الله تعالى : الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم 2 : 255 وقال تعالى : شهد الله أنّه لا