الممكنات صرف الفقر والربط بممسك السماوات والأرض ، وقيّوم الكلّ ، لا أنها أشياء لها الربط ، بل هي نفس الربط ، " ما للتراب وربّ الأرباب " ضرورة أنه لو كانت الممكنات أشياء ، لها الربط بالحقّ ، وكان معنى الخلق هو إيجاد الربط بينهما ، لاستلزم قدم الأشياء ، وتعدد القديم ، تعالى القديم عنه علوّا كبيرا . ويدل أيضا على هذا الفناء الحاصل بالتوجه إليه تعالى ، بحيث يوجب فناء آثار البشرية وظهور آثار الربوبيّة ، ما ورد في الحديث القدسي : " عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون " . ومن المعلوم بالضرورة أنه لا يراد منه أن العبد يصير ربّا حقيقة وذاتا ، بل المراد ظهور آثار الربوبية فيه ، بحيث يكون اختيار العبد اختيار الربّ ، فلا محالة إذا قال : كن لشيء ، فإنما قاله الربّ بلسان عبده ، ولم يكن للعبد حينئذ جهة البشرية ، بحيث يكون مبدئا للأفعال ، كما تقدم في المثال المتقدم ، فإن الحديدة المحماة تفعل أثر النار مع أنّها ليست بنار ، بل لمّا نفت عنها الظلمة والكدورة ، وظهرت فيها آثار النار ، صارت تعمل عمل النار ، وبالجملة ، الفناء المذكور بما له من المعنى يوجب لأن يتعيّن العبد بتعيّنات إلهيّة وصفات ربّانيّة ، كما أن الحديدة تعيّنت بتعيّنات النار ، فالعبد بعد فنائه عن نفسه ، وعن الجهات البشريّة يتعيّن فيه التعيّنات الإلهيّة ، وتظهر فيه الصفات الربوبيّة ، وهي البقاء با لله تعالى وتظهر صفاته وأفعاله فيه . في بيان ما تحصل به الولاية : ثم إن هذا التوجه التام يحتاج إلى أمر آخر ، وهو المحبّة . فاعلم أنه تعالى جعل محبّته كامنة في قلوب عباده ، وذلك أنّه تعالى جعل النفس الناطقة محبّة ، وطالبة للجميل والجمال والكامل والكمال ، وهذا أمر فطري يجده الإنسان في نفسه . وأما كونها كامنة في الإنسان بالنسبة إليه تعالى فلأجل أن