وكانت أرينب بنت إسحاق مثلا في أهل زماتها في جمالها ، وتمام كمالها وشرفها ، وكثرة مالها ، فتزوجها رجل من بني عمها يقال له عبد الله بن سلام من قريش ، وكان من معاوية بالمنزلة الرفيعة في الفضل . ووقع أمر يزيد من معاوية موقعا ملأه هما ، وأوسعه غما ، فأخذ في الحيلة والنظر أن يصل إليها ، وكيف يجمع بينه وبينها حتى يبلغ رضا يزيد فيها . فكتب معاوية إلى عبد الله بن سلام : وكان قد استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي هذا لأمر حظك فيه كامل ، ولا تتأخر عنه ، فأعد المصير والاقبال . وكان عند معاوية بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء ، صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلما قدم عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيئ له ، وأعد له فيه نزله ، ثم قال لأبي هريرة وصاحبه : إن الله قسم بين عباده قسما ، ووهبهم نعما أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، وأمرهم برعاية حقها ، وسلطان طريقها ، بجميل النظر ، وحسن التفقد لمن طوقهم الله أمره ، كما فوضه إليهم ، حتى يؤدوا إلى الله الحق فيهم كما أوجبه عليهم ، فحياني منها عز وجل بأعز الشرف ، وسمو السلف ، وأفضل الذكر ، وأغدق اليسر ، وأوسع علي في رزقه ، وجعلني راعي خلقه ، وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر آلاءه أم أكفرها ، فإياه أسأله أداء شكره ، وبلوغ ما أرجو بلوغه ، من عظيم أجره ، وأول ما ينبغي للمرء أن يتفقده وينظر فيه ، فيمن استرعاه الله أمره من أهله ومن لا غنى به عنه . وقد بلغت لي ابنة أردت إنكاحها ، والنظر فيمن يريد أن يباعلها [1] . لعل من يكون بعدي يهتدي منه بهديي ، ويتبع فيه أثرى ، فإني قد تخوفت أن يدعو من يلي هذا الأمر من بعدي زهوة السلطان وسرفه إلى عضل نسائهم ، ولا يرون لهن فيمن ملكوا أمره كفؤا ولا نظيرا ، وقد رضيت لها عبد الله ابن سلام لدينه وفضله ومروءتة وأدبه . فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية أنعم الله وشكرها ، وطلب مرضاته فيها فيما خصه به منها ، أنت صاحب رسول الله وكاتبه . فقال معاوية : اذكروا له ذلك عني ، وقد كنت جعلت لها في نفسها شورى ، غير أني أرجو أنها لا تخرج من رأيي إن شاء الله ، فلما خرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله ابن سلام بالذي قال لهما ، قال : ودخل معاوية إلى ابنته ، فقال لها : إذا دخل عليك أبو هريرة وأبو الدرداء ، فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلام ، وإنكاحي إياك منه ، ودعواك إلى مباعلته ، وحضاك على ملاءمة رأيي ، والمسارعة إلى هواي . فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم ، وقريب حميم ، غير أنه تحته أرينب بنت إسحاق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ،