خطبة مروان بن الحكم بين بدى معاوية قال بعد التسليم عليه بالخلافة : إن الله عظيم خطره ، لا يقدر قادر قدره ، خلق من خلقه عبادا ، جعلهم لدعائم دينه أوتادا ، هم رقباؤه على البلاد ، وخلفاؤه على العباد ، أسفر بهم الظلم ، وألف بهم الدين ، وشدد بهم اليقين ومنح بهم الظفر ، ووضع بهم من استكبر ، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون ذلك في سالف زمامنا ، وكنا نكون لهم على الطاعة إخوانا ، وعلى من خالف عنها أعوانا ، يشد بنا العضد ، ويقام بنا الأود ، ونستشار في القضية ، ونستأمر في أمر الرعية ، وقد أصبحنا اليوم في أمور مستحيرة ذات وجوه مستديرة ، تفتح بأزمة الضلال ، وتجلس بأهواء الرجال ، يؤكل جزورها [1] ، وتمق أحلابها [2] فما لنا لا نستأمر في رضاعها [3] ونحن فطامها وأولات فطامها ؟ وأيم الله لولا عهود مؤكدة ، ومواثيق معقدة ، لأقمت أود وليها ، فأقم الأمر يا بن أبي سفيان وأهدئ [4] من تأميرك الصبيان ، واعلم أن لك في قومك نظرا ، وأن لهم على مناوأتك وزرا [5] . فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا ، ثم كظم غيظة بحلمه ، وأخذ بيد مروان ، ثم قال : إن الله قد جعل لكل شئ أصلا ، وجعل لكل خير أهلا ثم جعلك في الكرم مني محتدا ، والعزيز مني والدا ، اخترت من قروم [6] قادة ، ثم استللت سيد سادة ، فأنت ابن ينابيع الكرم ، فمرحبا بك وأهلا من ابن عم ذكرت خلفا مفقودين ، شهداء صديقين ، كانوا كما نعت ، وكنت لهم كما ذكرت ، وقد أصبحنا في أمور مستحيرة ، ذات وجوه مستديرة ، وبك والله يا ابن العم نرجو استقامة أودها ، وذلولة صعوبتها ، وسفور ظلمتها ، حتى يتطأطأ جسيمها [7] ، ويركب بك عظيمها ، فأنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كل شدة عضده ، وإليك عهد عهده ، فقد وليتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وأنا مجيز [8] وفدك ، ومحسن رفدك [9] ، وعلى أمير المؤمنين غناك ، والنزول عند رضاك .
[1] يؤكل جزورها : يؤكل لحمها . [2] وتمق أحلابها : يشرب لبنها جميعه فلا يترك منه شئ والمراد بالجملتين أن معاوية يستأثر بكل شئ في الخلافة ولا يترك لمروان منها شيئا . [3] يريد مالك لا تأخذ رأينا في الخلافة ونحن قادرون على منع درها عنك . [4] أهدئ : أبطئ وترو ولا تتسرع . [5] الوزر الملجأ والمستعان . [6] القروم جمع قرم وهو الشجاع . [7] يتطأطأ جسيمها : حتى يذلل صعبها . [8] مجيز وفدك : معطيهم جوائز . [9] الرفد : العطاء .