توضيح ذلك : ان ادراك القضايا حتى العملية لا يكفي للوصول إلى الكمال ، وإنما هذا هو كمال لقوة خاصة وهي العقل النظري ، وكمال العقل العملي والقوى السفلى يكون بالانصياع إلى القوة العملية ، ولكن هذا وحده لا يكفي بل يجب ان تكون هناك آلة وأداة تميز حال الجزئيات الحقيقية ، لا سيما ففي الأمور الاجتماعية ، وعدم ادراك الواقع الجزئي على ما هو عليه يؤثر في عدم الوصول للكمال المنشود . لأن تنزل القضايا الكلية إلى الجزئية لا يتم إلا بأداة قادرة على استكشاف حال الجزئي علي ما هو عليه وتطبيق الكلي عليه فيكون تسلسل الادراكات بالنحو التالي : * - مرحلة ادراك الكمال في الاعمال والبرهان عليها وهذا يقوم به . العقل النظري - ثم مرحلة الاذعان في العقل العملي والتأثير على القوى السفلى - ثم مرحلة تشخيص الأمور الجزئية بالدقة وتطبيق تلك الكليات عليها . وشبيه هذا التسديد عند التنزل من الأعلى إلى الأسفل قوله تعالى : ( بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبالْحَقِّ نَزَلَ ) فهو إشارة إلى السداد والعصمة في مراحل التنزيل ، حيث كونه حقا لوحده لا يكفي بل يجب ان يكون السداد في النزول ، وفي النفس الانسانية الادراك والاذعان وحده غير كاف بل يجب ان يحصل التسديد في التنفيذ على الأمور الخارجية الجزئية وهذا لا يكون إلا بقوة الفطنة . وهي قوة فوق القوى المادون ( الغضبية والعمّالة والشهوية ) فهي تستخدم هذه القوى للوصول إلى الجزئي الحقيقي المندرج تحت الأجناس العالية ، فتصدر بعد ذلك أوامرها في عالم النفس لتولد الشوق والإرادة وصدور الفعل بعد ذلك . وقوة الفطنة هي التي تقوم بالبرهان العياني الذي يحتاجه الإنسان في تطبيق الكليات علي الجزئيات ، والكمال في الواقعة الجزئية مبتن على هذا البرهان فتلخص الفارق بين البرهان العياني والبرهان النظري