فمن خلال هذا السبر التاريخي نلاحظ كيف تحولت هذه القضية من عقلية تكوينية إلى اعتبارية جعلية . أما الأسباب التي دعت ابن سينا إلى القول بالاعتبارية : - 1 - المغالطة التي ذكرها أبو الحسن الأشعري بالتفكيك بين معاني الحسن والقبح وجعل بعض المعاني تكوينية ، أما معنى المدح والذم فليس كذلك ، وذلك لأنه لو كان بديهيا لأذعن به الجميع فمن ثَمّ أدرجه في المشهورات . ولم يكن هو أول من ذكر هذه المغالطة بل ان السوفسطائيين اليونانيين معاصرو سقراط قالوا بهذه المقالة وردهم سقراط في مؤلفاته 2 - تعريفه للعقل العملي حيث إنه قد عرفه بتعريف هو عين العقل النظري ، والاختلاف بينهما في المدرَك وأن العقل مطلقا شأنه الادراك وليس من شأنه التأثير والانفعال ، فكيف يمكن تصور ان العقل له تدخل في اعمال الافعال النفسانية ! بل العمليات ليست إلا تأديبات وعادات ، وهذا المبنى على خلاف مبنى الفلاسفة المتقدمين كالفارابي وتقسيمهم الحكمة إلى نظرية وعملية . 3 - غض ابن سينا النظر عن أحد قسمي البرهان الذين ذكرهما أرسطو وهو البرهان العياني أو الشهودي ويمتاز هذا البرهان بأنه يقام على اثبات الجزئيات الحقيقية ، واكتفى بالقسم الأول المعروف في باب البرهان وهو مختص بالكليات لذا يشترط فيه الأبدية وعدم التغيير . ولا بأس بذكر نبذة عن هذا البرهان : - هناك قوة في الإنسان تسمى بقوة الفطنة وهذه قوة تُرَوي أعمال الإنسان وتُراعي صدور الإرادة على طبق الحكمة ، فهي قوة تكون محيطة بأحوال الأمور الواقعية الجزئية فتوجب انطباق الكليات على الجزئيات والوصول إلى الكمال المنشود .