طرفين أحدهما يتولى عن الآخر الفعل والعمل إلا أن دائرة التولي إذا كانت محدودة فتسمى وكالة ويتبع ذلك ضيق صلاحيات الطرف ، وإذا اتسعت تسمى نيابة وتزداد صلاحيات الطرف ، وإذا اتسعت أكثر تسمى ولاية ، وإذا ازداد اتساعها تسمى خلافة و هي قيام شخص مقام آخر ، فيقال خلف فلان فلانا أي حل محله ، غاية الأمر أنه في عالم الممكنات تكون بدلا عن فقد أي بعد فقد المستخلف في ذلك المقام ، أما عندما تكون الخلافة عن الواجب فلا تكون عن فقد بل بنحو الطولية ، فالله مالك الملك في السماوات والأرض فهو يملك ويُقْدِر الملائكة على شيء ، ولا هو فاقد للقدرة بل في عين تملكهم واقدارهم يكون مالكا وقادرا ، فهذا الاستخلاف ليس هو التفويض الباطل بل هو أقدار وتمكين من دون تجاف وفقد . فالمستخلف هو الله عز وجل والخليفة يكون هو الرابطة التكوينية بين الذات الأزلية ومورد الاستخلاف ، نظير الأفعال الاختيارية التي يقدم بها الفاعل المختار المخلوق فإنها إقدار وتمكين من مالك الملوك واستخلاف فيها من دون عزلة ولا انحسار لقدرة واجب الوجود . وأخيرا فإن عنوان الخليفة غير عنوان النبوة والرسالة بل يكون أهم شأنا منها لأنه يقوم مقام الله ويخلف الله بخلاف العنوانين . * قال : إني أعلم ما لا تعلمون . إن اعتراض الملائكة يدل على إنهم تصوروا أن الهدف من ايجاد آدم هو اعمار الأرض ولكن الآية تبين خطؤهم في فهمهم ، ومحط اعتراض الملائكة أن من يصدر منه الافساد وسفك الدماء أي من يصدر منه الزلل والخطأ لا يتساوى مع من يكون معصوما عن الخطأ ، فهم أحق بخلافته من هذا الموجود ، وكان الجواب أن هذا الاعتراض منشؤه الجهل ، حيث أن العصمة العملية ليست هي العاصمة فقط عن الزلل بل المهم هو العصمة العلمية التي تكون عاصمة حينئذ عن الزلل العملي