لكن التحقق الخارجي لهذه القضية لا يكون إلا إذا التزم المسلمون بذلك وهي وظيفتهم إذ عليهم واجب الرجوع إلى الرسول فيما شجر بينهم وعليهم الالتزام بما يحكم به ، وهذا لا يعني أن رجوعهم اليه تنصيب منهم له ( صلى الله عليه وآله ) ولا انه الذي أعطاه صلاحية القضاء ، بل التنصيب وصلاحية القضاء هي من عند الله عز وجل وهذا مما اتفق عليه كل المسلمين فليس المراد من ( يحكموك ) هو انشاء منصب الحكومة لك ، بل يعني إقدارك خارجاً تكويناً ومعاونتك على تنفيذ قضاءك وفصلك للخصومات بينهم . ونفس المعنى الوارد في الآية الكريمة يذكر في مسألة الشورى وألسنة بعض الروايات التي وردت بها صيغة : « ولاّني المسلمون الأمر بعده » « فانّ ولّوك في عافية . . . » « ان تولوها علياً » . فهو لا يعني انشاء الأمة للولاية وتنصيبهم للوالي بل هي في صدد وجود واجب وتكليف استغراقي على كل أفراد المجتمع بالرجوع لمن نصبه الله عليهم والياً وحاكماً ، فالإنصياع لأحكامه والانقياد لأوامره وظيفة افراد المجتمع ، فكل من الطرفين يتحمل عبئاً من المسؤولية وشطراً منها . ومن هنا يمكننا ان نعود لآية : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) فنضيف اشكالاً مهماً إلى الاشكالات السابقة وهو أن الأمر المهم المسند إلى المجموع يختلف تحديده ونمطه حسب نوعه وماهيته ، فإذا كان الأمر يشمل مسألة الولاية والحاكمية فذلك بمفرده لا يدل على سلطة الأمة في أمر الولاية بل يبقى السؤال والاجمال أنه ما هو طبيعة الأمر المهم المسند إليهم وما هي وظيفتهم اتجاهه هل بنحو الفاعلية والاصدار والتنصيب أم بنحو القابلية والمتابعة والإعانة كأيدي وسواعد للوالي المنصوب من الشريعة المقدسة ، أو ان الآية مهملة من هذه الجهة ؟ ! والمعهود في الشرايع السماوية كون دور المجتمع هو القبول والانصياع وقد جاءهم التأنيب على التقصير في ذلك ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ