اختص بها العقل النظري أيضاً إلا انه ليس عين الفعل الأول ، ويبقى الفعل الثالث وهو الجزم والتسليم والاذعان وهو ما أطلقنا عليه بالقضائية . إذن فالمشورة والتشاور ماهية لفعل ادراك المعلومات لا ماهية لفعل عملي فكيف يناسب عنوان السلطة والولاية والقدرة التي هي عناوين لأفعال القوى العملية ، فهناك جمع للآراء تارة وأخرى جمع للإرادات فالشورى عنوان للأول لا للثاني ، بل ليست هي في حقيقتها أيضاً جمع للآراء ولى للجمع والاجتماع مدخلية فيها بل هي كما سيأتي في معناه المقرر في اللغة تقليب الآراء لاستخراج الصواب سواء كان هو رأي الواحد أو الأقل أو الأكثر فصبغة الرأي المنتخب هو لصوابيته لا لكثرته فهي لا تعني حسم الأمر في اتخاذ قرار في مسألة ما بل هو مقدمة لفعل آخر يقوم به المستشير . وإذا عدنا إلى مفسري العامة في القرون الأربعة الأولى لا نلاحظ وجود نظرية معينة حول الشورى أو تفسير كلا الآيتين بمعنى ولاية الشورى ، بل على العكس تراهم يذهبون في تفسيرها إلى معنى المشورة اللغوية ويشكك الطبري انه كيف يؤمر النبيّ باتباع الشورى مع انه ( صلى الله عليه وآله ) غني عن المسلمين بالوحي [1] . ويذكر فوائد الشورى من اقتداء الأمة به ، وتأليف قلوبهم وينقل ذلك عن قتادة وابن إسحاق والربيع والضحاك والحسن البصري ، والسيوطي في الدر المنثور يورد روايات كثيرة في ذيل الآية الكريمة على حسن الاستشارة واستحبابها ، وان المشاورة من الأمور الموصلة للحق ومنها ما عن الإمام علي ( عليه السلام ) : يا رسول الله إذا نزل بنا الأمر من بعدك وليس فيه قران وليس فيه من قولك ومن سنتك فماذا نصنع ؟ قال : اجتمعوا وليكن فيكم العابد فترشدون إلى أصوب الآراء .
[1] جامع البيان الطبري - ذيل سورة آل عمران ج 4 ، ص 101 .