وأمّا السنّة فما جاء عن أهل البيت وغيرهم أكثر من أن يحصر ، وسنذكر شطراً منه في طيّ هذا المبحث ، وكفى من السنّة ما رواه الفريقان في قصّة عمّار ، حتّى عذره اللّه سبحانه في كتابه العزيز فنزل في حقّه " إِلا من اُكره وقلبه مطمئن بالايمان " [1] . وأمّا إِجماع الشيعة على المشروعيّة بل الوجوب فلا نقاش فيه ، لنذكر مصادره ، لأن أمر التقيّة ولزومها عند أهل البيت وشيعتهم لا يختلف فيه اثنان . وأمّا العقل فلأنه بالبداهة يحكم بوجوب المحافظة على النفس والنفيس ما استطاع المرء إليها سبيلاً ، ويمنع من إلقاء النفس بالمهالك ، وقد نهى عن ذلك الكتاب العزيز أيضاً فقال تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " [2] وقال سبحانه " ولا تقتلوا أنفسكم إِن اللّه كان بكم رحيماً " [3] . وسيرة أرباب العقول جارية على وفق هذا الحكم العقلي ، بل ان غريزة البشر على التقيّة ، فإنك لو حللت بدار قوم يخالفونك في المذهب أو المبدأ السياسي ، وتخشى منهم لو علموا ما أنت عليه لكنت تسرّ ما عندك بطبعك وفطرتك ما استطعت ، من دون أن تعرف حكم العقل أو الشرع في هذا الشأن . ولو استعرضت تأريخ الاسلام من البدء لوجدت أن التقيّة كانت ضرورة يلتجأ إليها ، فقد أخفى النبي صلّى اللّه عليه وآله بدء الدعوة أمره حتّى دعا بني هاشم وأمره اللّه سبحانه أن يصدع بأمره [4] ، وتكتّم المسلمون في إِسلامهم قبل ظهوره وانتشاره ، وتستّر أبو طالب في إِسلامه ليتسنّى له الدفاع عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وليبعد عنه التهمة في دفاعه .
[1] النحل : 106 . [2] البقرة : 195 . [3] النساء : 29 . [4] الحجر : 94 .