وكيف عاد الأمر عكساً يوم ارتفع منار الاسلام فصار أهل الكفر في مكّة والمدينة يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر . ابتداء التقيّة ومبرّراتها : ما كانت تقيّة الشيعة مبتدأة من عصر الصادق عليه السّلام بل كانت من عهد أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى أنه كان قد استعمل التقيّة بنفسه في أكثر أيامه ، إِنك لتعلم أنه من بدء الخلافة كان يرى أن الخلافة له ، ويراها ثلّة من الناس فيه ، ولكنّه لمّا لم يجد أنصاراً وادَعَ وصمَت هو وأصحابه ، ولو وجد أربعين ذوي عزم منهم لناهض القوم - على حدّ تعبيره نفسه - وان النّاس حتّى من يخالفه لتعلم أن له رأيه في القوم ومن ثمّ أرادوه للبيعة في الشورى على اتباع سيرة السلف فأبى إِلا على كتاب اللّه وسنّة رسوله . وكان يتكتّم كثيراً بما يرى التقيّة في إبدائه حتّى بعدما صار الأمر إليه لعلمه بأن في الناس من يخالفه ويناوئه ، فلو باح بكلّ ما عنده لم يأمن خلاف الناس عليه ، كيف وقد نكثت طائفة ، وقسطت أخرى ، ومرق آخرون ، فلو صارح بكلّ ما يعلم ويرى لانتقضت عليه أطراف البلاد . ومع أن الكوفة يغلب عليها الولاء والتشيّع وهي عاصمة ملكه ما استطاع أن يغيّر فيها كلّ ما ورثوه من العهد السابق ، كما لم يطق أن يبوح فيها بكلّ ما يعلم إِلا القليل ، هذا وهو صاحب السلطتين : الروحيّة والزمنيّة ، فكيف إِذن به يوم كان أعزل ، وكيف بأولاده والسطوة والقوّة عليهم . لم يتّخذوا التقيّة جنّة إِلا لما يعلمون بما يجنيه عليهم وعلى أوليائهم ذلك الإعلان ، وقد أمر بها أمير المؤمنين قبل بنيه ، فإنه قال في بعض احتجاجاته كما يرويه الطبرسي [1] في الاحتجاج : وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك - إِلى
[1] أحمد بن علي بن أبي طالب من علماء الطائفة وشيوخهم ، وكتابه الاحتجاج كثير الفوائد جليل النفع .