إِذ لا يحملون عقيدة يناهضون بها تلك العقيدة ، ولكنهم إِذا عرفوا من أنفسهم الضعف قوّضوا ليلاً وبعدوا شاحطين ، ومن ذاك لا تسلم بلدة من وبالهم وسوء أعمالهم . وكان لهم ظاهر نسك وعبادة ، وما زالوا يستميلون الهمج الرعاع بتلك المظاهر الصالحة ، ودعوى الخروج على سلطان الباطل ، والدعوة للعمل بالكتاب والسنّة ، وإن ناقضوا تلك المظاهر والدعاية بشدة الوطأة والعيث فساداً ، إِلا أن السذّج من الناس ربما انخدعوا بظاهرة النسك والصلاح ، وقد خدعوا بهاتيك الظواهر الجميلة بعض أهل الكتاب ومن لا يعتقد صحّة دين الاسلام ، فضمّوهم إليهم ، وكاثروا بهم . وقد ضعفت بعد ذلك شوكتهم ، وهدرت شقاشقهم ، واستراح الناس منهم برهة من الزمن ، ولكن ظهر لهم شأن أيّام الصادق عليه السّلام فإنَّ أحد رؤسائهم عبد اللّه بن يحيى الكندي - الملقّب بطالب الحق - نهض في حضرموت بعد ما استشار الأباضيّة في البصرة وأوجبوا عليه النهوض ، وشخص إليه منهم أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي وبلخ بن عقبة المسعودي في رجال من الأباضيّة ، وقد بايعه ألفان وبهم ظهر ، ولمّا كثر جمعه توجّه إِلى صنعاء وكتب بذلك إِلى من بها من الخوارج ، فجرت بينه وبين عاملها حروب انتصر فيها عبد اللّه واستولى على خزائن الأموال ، ثم استولى على اليمن ، فلمّا كان وقت الحجّ وجّه أبا حمزة وبلخاً وأبرهة بن الصباح إِلى مكّة والأمير عليهم أبو حمزة في ألف ، وأمره أن يقيم بمكّة إِذا صدر النّاس ، ويوجّه بلخاً إِلى الشام ، فدخلوا مكّة يوم التروية وعليها وعلى المدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك في خلافة مروان الحمار ، فكره عبد الواحد قتالهم وفزع الناس منهم فراسلهم عبد الواحد في ألا يعطّلوا على النّاس حجّهم ، وأنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتّى ينفر الناس النفر الأخير ، فلمّا كان النفر الأخير نفَرَ عبد الواحد وترك مكّة لأبي حمزة من غير