نيل العروش والذبّ عنها فقط ، دون أن يكون منهم حرب مع النبيّ وشريعته بقصد ، وإن كان حربهم لعلماء الشريعة حرباً للشريعة وللصّادع بها . ولو ألقيت نظرة مستعجلة على ما لقيه أهل البيت من أجل تقمّصهم بالفضائل لعرفت كيف تحارب الدنيا الدين ، وكيف انطبع الناس على حبّ الدنيا وحلفائها ، وعلى عداء الدين وحلفائه ، ولأبصرت أن بني العبّاس جَروا في مضمار بني أُميّة ، وإن سبقوهم شوطاً بعيداً في حرب أهل البيت . قتلَ بنو أُميّة الحسين بن علي عليهما السلام في الطفّ ومعه صفوة زاكية من أهل بيته ، ونخبة صالحة من أصحابه ، حيث وثب مُنكِراً عليهم تلاعبهم بالدين حسب الأهواء ، وقتَل بنو العبّاس الحسين بن علي بفخّ ومعه غرانيق من العلويّين عزَّ على وجه الأرض نظيرهم ، حين نهض مُنكِراً عليهم ما ارتكبوه من الأعمال التي أغضبوا بها الدين وأهله . سمَّ بنو أُميّة من الأَئمة ثلاثة : الحسن والسجّاد والباقر عليهم السلام ، وسمَّ بنو العبّاس منهم ستة : الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام . أرسل هشام بن عبد الملك على الباقر والصادق عليهما السلام إلى الشام لينال منهما سوءً فحين حلا بالشام لم يجد بدّاً من إكرامهما وتسريحهما إلى المدينة حذراً من أن يفتتن بهما الناس ، وأمّا بنو العبّاس فلم يتركوا إماماً يقرّ في بيته ، أرسل السفّاح خلف الصادق ، وأرسل المنصور أيضاً خلفه مرّات عديدة ، وأرسل الرشيد خلف الكاظم وحبسه ثمّ أطلقه ، ولم يطل العهد حتّى أرسل عليه مرّة أُخرى ، فما خرج من الحبس إلا وهو قتيل السمّ ، ولا تسل عمّا ارتكبه معه حين إخراجه من السجن والنداء عليه على الجسر ، وأرسل المأمون خلف الرضا إلى طوس ، فما عاد إلى أهله بل عاجله بالسمّ وهو في خراسان ، وأرسل خلف الجواد ثمّ سرَّحه من دون أن يأتي إليه بسوء ، وما قبض المعتصم