فرق إِذن بين النبيّ الصادق وبين النبيّ الكاذب . وإذا قيل : إِن النبوغ والذكاء والفصاحة والعلم والأمانة والصدق إذا كانت متوفّرة في مُدَّعي النبوَّة على الوجه الأكمل الذي يمتاز به عن سائر البشر كافية في تصديق دعوى النبوَّة منه . فإنّا نقول : إِن أكثر الناس لا يقيم وزناً لهذه الأمور ، بل لا يستطيع تمييزها فيمن هي فيه حقّ التمييز ، فضلاً أن يعرف أنها موجودة في النبي على الوجه الأكمل فلا بدّ من ظهور شيء محسوس على يده يعجز عنه البشر يكون قاطعاً لعذرهم وبرهاناً نيّراً يستوي في الخضوع له وإِدراكه العالم والجاهل والنبيه والعاقل . 4 - لماذا يمنع العلم عن الأمور الجارية على غير النواميس الطبيعيّة ؟ أليس خالق النواميس العاديّة وغير العاديّة واحداً ؟ ومن اقتدر على إجراء الأمور بأسبابها العاديّة يقتدر على إِجرائها بأسباب فوق مستوى قدرتنا وعلمنا . وإذا نظرنا بعض مصنوعاته تعالى وجدناها جارية على غير نواميس العادة وذلك في بدء الخلقة فإنه ما النواميس الطبيعيّة في صنعة آدم وحواء وابتداء خلق السّموات والأرضين والأشجار والأنهار والمعادن والفلزّات وما سواها فإنه خلقها لا من شيء سبق ، ولا على مثال احتذاه ، وإذا كان ناموسها الطبيعي هو تلك العناصر التي كان منها تركيبها ، فما كان الناموس الطبيعي لخلق تلك العناصر أنفسها . نعم إِنما صرنا نتطلّب النواميس الطبيعيّة في المصنوعات لما اعتدناه في الخليقة من جريانها مستمرّة على تلك النواميس ، ولكن ذلك لا يجب في كلّ شيء ما دام خالق النواميس على غير النواميس موجوداً ، وكانت له في خلقها على غير النواميس الحجّة على عباده والإرشاد على ألوهيّته وقدرته ونبوَّة رُسُله .