وكم دعا لناس بسعة الحال فأصابوا الدعوة ، كما في طرخان النخاس وحمّاد بن عيسى وغيرهما ، وسنذكر ذلك في استجابة دعائه . ولا غرابة أن يكون أبو عبد اللّه عليه السلام على تلك العاطفة النبيلة ، وما هي إِلا بعض ما يجب أن يستشعره . جَلده : إِن من يلمس في أبي عبد اللّه عليه السلام تلك العاطفة الرقيقة التي تدر دمعته وتذكي النار في قلبه رحمة ، وتختطف الدم من وجهه ، يستغرب كيف يكون له الجَلد الذي لا توازنه الجبال الشمّ في احتماله . كان ابنه إسماعيل أكبر أولاده ، وهو ممّن جمع الفضيلة والعقل والعبادة فكان الصادق عليه السلام يحبّه حبّاً شديداً ، حتّى حسب بعض الناس أن الإمامة فيه بعد أبيه ، فلمّا مات وكان الصادق عند مرضه حزيناً عليه جمع أصحابه وقدَّم لهم المائدة وجعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ، ودعاهم إلى الأكل وحثَّهم عليه لا يرون للحزن أثراً عليه ، وكانوا يحسبون أنه سيجزع ويبكي ويتأثّر ويتألّم ، فسألوه عن ذلك فقال لهم : وما لي لا أكون كما ترون وقد جاء في خبر أصدق الصادقين : إِني ميّت وإِيّاكم . ومات ابن له من غُصَّة اعترته وهو يمشي بين يديه فبكى وقال : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت لقد عافيت ، ثمّ حمله إلى النساء فصرخن حين رأينه ، فأقسم عليهنّ ألا يصرخن ، ثمّ أخرجه إلى الدفن وهو يقول : سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إِلا حبّاً ، ويقول بعد الدفن : إِنّا قوم نسأل اللّه ما نحبّ فيمن نحبّ فيعطينا ، فإذا أحبّ ما نكره فيمن