وقوفه عليهما أمرهما بالمجيء معه إلى الدار وأصلح أمرهما بأربعمائة درهم ودفعها من عنده ، وبعد استيثاق كلّ واحد من صاحبه قال لهما : أما أنها ليست من مالي ، ولكن أبو عبد اللّه عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله ، فهذا مال أبي عبد اللّه عليه السلام [1] . أجل ما أفضل إِصلاح ذات البيت ، ولكن الأفضل فيه أن يفتدي المصلح من ماله ، وهذه هي العاطفة حقاً التي تريك الرأفة والرحمة ملموستين . وما كان حاله مع الغلامين والجارية فيما سبق في الحلم حلماً فحسب ، بل حلم وعطف ، فإنه لم يقنع بأن يصفح عمّا كان منهم دون أن يعطف على الأول فيروّح له ، وهو إِمام الأمّة ، ويمدح الثاني بأنه غير عيي القلب ، ويهب للجارية جرمها ، وما أكبره ، بل يزيد في الإحسان لها أن يحرّرها من رقّ العبوديّة . وما أوفر عطفه فكم دعا لسجين بإطلاق سراحه كما في دعائه لسدير وعبد الرحمن وهما من أصحابه وكانا في السجن ، وعلّم أمّ داود الحسني ، وكان في سجن المنصور مع بني الحسن ، دعاءً وعملاً وصوماً في الأيام البيض من رجب ، فعملت ما قال فاطلق سراحه وما زال العمل يُعرف إلى اليوم بعمل أمّ داود ، إلى كثير سواهم . وكم دعا لمريض بالعافية فعوفي ، كما في دعائه لحبابة الوالبيّة وكانت من النساء الفاضلات ، وليونس بن عمّار الصيرفي وهو من رجال الصادق الثقات ، ولرجل عرض له وقد سُئل له الدعاء ، ولامرأة بها وضح في عضدها ، ولرجل جاءه في البيت متعوّذاً وبه بلاء شديد ، إلى غير هؤلاء .