قتله ، وليس هناك ما يدعوهم إلى تلك الجفوة والقسوة والقطيعة فيعاملهم على عكس ما فعلوه معه ، فتراه واصلاً بدل القطيعة ، وبارّاً عوض الجفاء ، وعاطفاً بدل القسوة . لقد أحزنته تلك النكبات التي أوقعها المنصور ببني الحسن حتّى لقد بكى وظهر عليه الجزع والاستياء بل حُمَّ أياماً حين حمل المنصور شيوخ بني الحسن ورجالهم من المدينة إلى الكوفة ، وهم قد لاقوه بسيئ القول بالابواء يوم أرادوا البيعة لمحمّد ، وما زال محمّد وأبوه عبد اللّه يلاقيانه بالقول السيئ زعماً منهما أنه كان حجر عثرة في سبيل البيعة لمحمّد ، ولمّا أن ظهر محمّد بالمدينة أرسل على الصادق يريد منه البيعة ، وحين امتنع عليه قابله بسوء القول والفعل ، وكم تجرّع غصصاً من بني العبّاس ورجالهم ، ولو لم يكن قادراً على شيء ينتقم به منهم إِلا الدعاء لكفى به سلاحاً ماضياً . وما كان الحلم شعاره مع الأقربين من أهله فحسب ، بل كان مع مواليه وسائر الناس ، فقد بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج على أثره فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروّح له حتّى انتبه ، فلمّا انتبه لم يكن منه معه إِلا أن قال : يا فلان ما ذلك لك تنام الليل والنهار ، لك الليل ولنا منك النهار [1] . وبعث مرّة غلاماً له أعجميّاً في حاجة ثمّ جاء الغلام فاستفهم الصادق عليه السلام الجواب والغلام يعني عن إفهامه ، حتّى تردّد ذلك منه مراراً والغلام لا ينطق لسانه ولا يستطيع إفهامه ، فبدلاً من أن يغضب عليه أحدَّ النظر إليه وقال : لئن كنت عيّ اللسان فما أنت بعيي القلب ، ثمّ قال عليه السلام : إِن الحياء والعفاف والعي - عيّ اللسان لا عيّ القلب - من الإيمان ، والفحش والبذاءة