هباته السرّية إِن الصلة وإِن كانت من الأب أو ممّن هو أرفق منه كالإمام قد تحدث في القابل انكساراً وذلّة ، لأنها تنبّئ عن تفضّل المعطي وحاجة الآخذ ، والحاجة نقص ، والشعور به يحدث الإنكسار في النفس . وقد تحدث في المعطي هزّة الإفضال ، وتبجّج المتفضّل ، هذا سوى ما قد يكون للعطيّة في بعض النفوس من حُبّ الذكر والفخر والسمعة أو الرياء أو ما سوى ذلك ممّا تكرم عنه النفوس النزيهة النقيّة . فلهذا أو لغيره كان دأب أرباب الأخلاق الفاضلة التكتُّم في الصلة وشأن أهل البيت خاصّة التستّر في صِلاتهم ، فلا تكاد تمرّ عليك سيرة إِمام منهم إِلا وتجد فيها تَرقّبه للغلس ليتّخذه ستراً في الهبات والصّلات . فلا أرى ذلك الإصرار على الإسرار إِلا لأنّهم لا يريدون أن يشاهدوا على الآخذ ذلّة الحاجة والخضوع للمتفضّل المحسن ، وإِنهم أزكى نفساً وأعلى شأناً من أن يخافوا الفتنة في الإعلان . ومن ثمّ تجد الصادق إذا جاء الغلس أخذ جراباً فيه الخبز واللحم والدراهم فيحمله على عاتق ، ثمّ يذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فيقسّمه فيهم وهم لا يعرفونه ، وما عَلموا ذلك حتّى مضى لربّه فافتقدوا تلك الصِلات ، فعلموا أنها كانت من أبي عبد اللّه عليه السّلام [1] . وهذه السيرة دَرَج عليها آباؤه من قبل ، ونهج عليها بنوه من بعد . وما كانت سيرته تلك مع أهل المدينة خاصّة بل يعمل ذلك حتّى مع