سخاؤه إِن السخاء وإِن كان خلّة كريمة في نفسه ، وفائدة لمن يحبى بالعطاء ، إِلا أن فيه عدا هذا فوائد أخرى اجتماعيّة ملموسة ، إِن الكريم يحمل الناس على حُبّ الكريم ، والحبّ داعية الائتلاف ، بل ربما كان الحبّ سُلَّماً لرياسة ذي الجود والإصغاء لقوله ، وكم تكون من جدوى زعامة المرء واستماع كلامه إذا كان من أهل الصلاح والخير . وهو القائل للمعلّى بن خنيس : يا معلّى تحبّب إلى إِخوانك بصلتهم ، فان اللّه تعالى جعل العطاء محبّة والمنع مبغضة ، فأنتم واللّه إِن تسألوني وأعطيكم أحبّ إِليَّ من ألا تسألوني فلا أعطيكم فتبغضوني [1] . فكان الصادق عليه السلام يعطي العطاء الجزيل ، العطاء الذي لا يخاف صاحبه الفقر ، وقد سبق في الأخلاق بعض هباته ، كما سيأتي الوفر من صِلاته . وقد أعطى مرَّة فقيراً أربعمائة درهم فأخذهما وذهب شاكراً ، فقال لعبده : ارجعه ، فقال : يا سيّدي سُئلت فأعطيت فما ذا بعد العطاء ؟ فقال له : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : خير الصدقة ما أبقت غنى وإِنّا لم نغنك ، فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة ( 2 ) . أحسب أن الصادق عليه السلام إِنّما زاده للشكر ، والشكر داعية المزيد يقول تعالى : " ولئن شكرتم لأزيدنكم " ولقد زاد سائلاً من ثلاث حبّات عنب إلى كفّين إلى نحو من عشرين درهماً إلى قميص ، وما ذاك إِلا لأن السائل قنع في الأولى وحمد اللّه تعالى وما كفَّ عن عطائه إِلا بعد أن كفّ عن الحمد ودعا