ليدخل الناس ويأكلوا ، وكنت آمر في كلّ يوم أن يوضع عشر ثبنات [1] يقعد على كلّ ثبنة عشرة ، كلّما أكل عشرة جاء عشرة أخرى ، يلقى لكلّ منهم مُد من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلّهم الشيخ والعجوز والصبي والمريض والمرأة ومن لا يقدر أن يجيء فيأكل منها ، لكلّ إِنسان مُد ، فإذا كان الجداد [2] وفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم ، وأحمل الباقي إلى المدينة ، ففرّقت في أهل البيوتات والمستحقّين الراحلتين والثلاث والأقلّ والأكثر على قدر استحقاقهم ، وحصل لي بعد ذلك ألف دينار ، وكان غلّتها أربعة آلاف دينار [3] . وهذا الإنفاق وإِن بلغ ثلاثة آلاف دينار لا يستكثر على سماحة أهل البيت ، وإِنما الجميل فيه اهتمامه في صلة المعوزين ومواصلة البرّ لهم . وإِن الأفضل في الأخلاق ما يحكيه عن نفسه بقوله : إِنه ليعرض لي صاحب الحاجة فأبادر إلى قضائها مخافة أن يستغني عنها صاحبها [4] . هذه بعض أخلاقه العالية التي تمثّل لك البرّ والعاطفة وتجسّم لك الحنان والرأفة ، فكأنما الناس كلّهم عياله وإِخوانه وآله ، ولا بِدع فذلك شأن الإمام في الأمّة .
[1] جمع ثبنة بالضم وهي الموضع الذي تحمل فيه من ثوبك تثنيه بين يديك ثم تحمل فيه من التمر أو غيره . [2] بالمهملتين والمعجمتين : قطع التمر . [3] بحار الأنوار : 47 / 51 / 83 . [4] المجلس / 31 من أمالي الطوسي طاب ثراه .