ومن يستقص سيرة أبي عبد اللّه عليه السلام يعرف أنه الشخصيّة المثاليّة لأبيه المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وما المرء إِلا بعمله ، ولئن سكت عن بيان حاله فأعماله ترجمان ذاته وصفاته . ولقد مرَّ عليك ما قاله العلماء في شأنه ، وكفى عن تعريف شخصيّته ما قرأته من حياته العلميّة ، وسوف تقرأ المختار من كلامه فتتمثل له منزلته في الأخلاق والفضيلة من تلك النوادر الغالية ، وكان الجدير أن يكون مثالاً لكلامه قبل أن يحمل عليه رجاله والآخذين عنه . فلا نستكبر منه إِذن أن يكون بين أصحابه كأحدهم لا تظهر عليه آثار العزّة وحشمة الإمامة ، فقد خرج يوماً وهو يريد أن يعزّي ذا قرابة بفقد مولود له ، ومعه بعض أصحابه فانقطع شسع نعله ، فتناول نعله من رجله ، ثمّ مشى حافياً ، فنظر إليه ابن أبي يعفور [1] فخلع نعل نفسه من رجله وخله الشسع منها وناولها أبا عبد اللّه عليه السلام ، فأعرض عنه كهيئة المغضب ثمّ أبى أن يقبله ، وقال : لا ، صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها ، فمشى حافياً حتّى دخل على الرجل الذي أتاه ليعزّيه . وكان إذا بسط المائدة حثّهم على الأكل ورغّبهم فيه ، ولربّما يأتيهم بالشيء بعد الشبع ، فيعتذرون فيقول : ما صنعتم شيئاً إن أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا ، ثمّ يروى لهم عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أمثال ذلك لتطيب نفوسهم بالأكل وترغب بالزيادة ، ويروي لهم هذا القول ، أعني " أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا " عن النبي صلّى اللّه عليه وآله مع سلمان والمقداد وأبي ذر . وقد يجيء بالقصعة من الأرز بعد انتهائهم من الأكل ، فإذا امتنع أحدهم من