اشتهى اللحم أو نزل به ضيف ، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة ، نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم [1] فيقسّمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضّل عليهم ، ومَن أزهد من هؤلاء ؟ وقد قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ما قال ، ولم يبلغ من أمرهما أن صار لا يملكان شيئاً البتّة ، كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون على أنفسهم وعيالاتهم . واعلموا أيّها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال يوماً : ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن انه إذا قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له ، وإِن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له ، وكلّ ما يصنع به فهو خير له ، فليت شعري هل يحقّ فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم ؟ أما علمتم أن اللّه عزّ وجل قد فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولّي وجهه عنهم ، ومن ولاهم يومئذٍ دبره فقد تبوّأ [2] مقعده من النار ، ثمّ حوّلهم من حالهم رحمة منه لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من اللّه عزّ وجل للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة . أقول : لمّا هاجر المسلمون من مكّة إلى المدينة بدء الهجرة كانوا لا يجدون مأوىً ولا مطعماً ، فكان الإيثار من الأنصار أمراً لازماً إِلى أن يتمّ للمهاجرين ما يحتاجون إليه ، ولمّا أن تمّ له ما احتاجوه نسخ الإيثار بالتوسّط في الإنفاق فكان كلام الصادق عليه السلام عن العشرة بدء الجهاد ، وعندما كثر المسلمون