وحركته أخرى أحداث دلّت على وجوده بعد العدم ومصنوعيّته بعد أن لم يكن ، ولا بدّ للمصنوع من صانع وللمخلوق من خالق . نفي التجسيم لعلّ شبهة التجسيم جاءت من قبل بعض الزنادقة فدخلت في بعض معتقدات أهل الآراء والمذاهب من المسلمين ، الذين يجمدون في الدين على الظواهر ، فإن أهل الزندقة لما خابوا في الدعوة إلى التعطيل والإلحاد أفلحوا في دسّ هذه الشبهة ، لأنّا نجد الكلام عنها كثيراً في ذلك العصر ، ونقرأ الكثير عنها في الأسئلة التي توجّه إلى الإمام ، فمن ذلك قوله في الجواب عن هذه الشبهة : إِن الجسم محدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ، فإذا احتمل الحدّ احتمل الزيادة والنقصان ، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقاً . قال السائل : فما أقول ؟ قال عليه السّلام : لا جسم ولا صورة وهو مجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، لم يتجزّأ ولم يتناه ، ولم يتزايد ولم يتناقص ، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ، ولا بين المنشئ والمنشأ ، لكن هو المنشئ فرّق بين جسمه وصوره وأنشأه ، إِذ لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً [1] . أقول : كاد أن يسيل هذا البيان رقّة ولطفاً مع قوّة الحجّة ومتانة التركيب وقد أغنى بوضوحه عن ايضاحه .
[1] الكافي : باب النهي عن الجسم والصورة ، وتوحيد الصدوق : باب أنه ليس بجسم ولا صورة .