والتقدير دائماً ، كما أن تمام الصنعة في الخلقة دائماً شاهد آخر على الوحدانيّة ، لأن استمرار الاتفاق في الاثنين مع التكافؤ في كلّ شأن لا يكون أبداً ، كما نشاهده في الذين يديرون دولاب البلاد ، فإن حصل اختلاف ولو برهة فسد المخلوق ، فأين تمام الصنع ؟ فالتمام دليل الوحدة أيضاً . ويسأله أبو شاكر الديصاني بقوله : ما الدليل على أن لك صانعاً ؟ فيقول عليه السّلام : وجدت نفسي لا تخلو من إِحدى جهتين إِمّا أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري ، فإن كنت صنعتها فلا أخلو من إِحدى جهتين إِمّا أنّ أكون صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها ، وإِن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعاً وهو ربّ العالمين ، فقام وما أحار جواباً [1] . وسأل الصادق مرّة ابن أبي العوجاء فقال له : أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟ فقال له ابن أبي العوجاء : أنا غير مصنوع ، فقال له الصادق عليه السلام : فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون ؟ فبقي مليّاً لا يحير جواباً وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول : طويل عريض عميق قصير متحرّك ساكن ، كلّ ذلك من صفة خلقه ، فقال له الصادق عليه السّلام : فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك ممّا يحدث من هذه الأمور ، فقال ابن أبي العوجاء : سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك ، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها [1] . أقول : إِن إِثبات هذه العوارض على الانسان لكونه مصنوعاً ظاهر ، لأن طوله بعد القصر واختلافه في العمق والعرض آناً بعد آخر ، وسكونه مرّة
[1] التوحيد : باب أنه عزّ وجل لا يُعرف إِلا به . [1] توحيد الصدوق : باب إثبات حدوث العالم .