أقول : وما حداني على الإشارة إلى مواضع هذه الرسالة دون إيرادها إِلا رعاية الإيجاز ، على أن هذه الرسالة جمعت فنوناً من العلم إلى قوّة الحجّة وجَودة البيان ، وما كان محور المناظرة فيها إِلا اهليلجة ، وهي من أضعف المصنوعات ، وأصغرها جرماً وشأناً . موجز براهينه على الوجود والوحدانيّة تعرف المواهب الغزيرة من المقدرة في البيان ، فبينا تجده يطنب في الدليل كما في توحيد المفضل وغيره إِذ تراه يأتي بأوجز بيان في البرهان مع الوفاء بالقصد ، وذلك حين يُسأل عن الدليل على الخالق فيقول عليه السلام : ما بالناس من حاجة [1] . أقول : ما أوجزها كلمة ، وأكبرها حجّة ، فإنّا نجد الناس في حاجة مستمرّة في كلّ شأن من شؤون الحياة ، وهذه الحاجة تدلّ على وجود مآل لهم في حوائجهم غنيّ عنهم بذاته ، وأن ذلك المآل واحد ، إِلا لاختلف السير والنظام . ويسأله مرّة هشام بن الحكم بقوله : ما الدليل على أن اللّه تعالى واحد ؟ فيقول عليه السّلام : اتّصال التدبير ، وتمام الصنع [2] . أقول : إِن كلّ واحدة من هاتين الكلمتين تصلح لأن تكون دليلاً برأسه ، وذلك لأن اتّصال التدبير شاهد على وحدانيّة المدبّر ، إِذ لو كان اثنين أو أكثر لكان الخلاف بينهما سبباً لحدوث فترة أو تضارب ، فلا يكون التدبير متّصلاً ،
[1] تحف العقول . [2] توحيد الصدوق : باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ص 243 .