ترفع ؟ أفلا ترى أن العالم يصان ويحفظ من تلك الأحداث الجليلة ، التي لو حدث عليه شيء منها كان فيه بواره ، ويلدغ أحياناً بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس وتقويمهم ، ثمّ لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم ، فيكون وقوعها بهم موعظة ، وكشفها عنهم رحمة ؟ وقد أنكرت المعطّلة ما أنكرت المانويّة من المكاره والمصائب التي تصيب الناس فكلاهما يقول إِن كان للعالم خالق رؤوف رحيم فلِم يُحدث فيه هذه الأمور المكروهة ؟ والقائل بهذا القول يذهب به إلى أنه ينبغي أن يكون عيش الانسان في هذه الدنيا صافياً من كلّ كدر ، ولو كان هكذا كان الانسان يخرج من الأشرّ والعتوّ إلى ما لا يصلح في دين ودنيا ، كالذي ترى كثيراً من المترفين ومن نشأ في الجدة والأمن يخرجون إليه ، حتّى أن أحدهم ينسى أنه بشر أو أنه مربوب أو أن ضرراً يمسّه أو أن مكروهاً ينزل به أو أنه يجب عليه أن يرحم ضعيفاً أو يواسي فقيراً أو يرثي لمبتلى أو يتحنّن على ضعيف أو يتعطّف على مكروب ، فإذا عضّته المكاره ووجد مضضها اتّعظ وأبصر كثيراً ممّا كان جهله وغفل عنه ، ورجع إلى كثير ممّا كان يجب عليه ، والمنكرون لهذه الأدوية المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمّون الأدوية المرّة البشعة ، ويتسخّطون من المنع من الأطعمة الضارّة ويتكرّهون الأدب والعمل ، ويحبّون أن يتفرغوا للّهو والبطالة وينالوا كلّ مطعم ومشرب ، ولا يعرفون ما تؤدّيهم إليه البطالة من سوء النشو والعادة ، وما تعقبهم الأطعمة اللذيذة الضارّة من الأدواء والأسقام ، وما لهم في الأدب من الصلاح ، وفي الأدوية من المنفعة ، وإِن شاب ذلك بعض المكاره . أقول : وعلى هذا ومثله مثّل الصادق عليه السّلام أقوال أولئك الملحدين في شأن الآفات وأجاب عنها بنير البرهان ، إلى أن انتهى في البيان إِلى ذات الخالق تعالى في شبه الملحدين ، فقال : وأنه كيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به . فيقول في الجواب : إنما كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه