- 2 - ثمّ أنه في اليوم الثاني أورد على المفضّل الفصل الثاني وهو في خلقة الحيوان فقال عليه السّلام : أبتدئ لك بذكر الحيوان ليتّضح لك من أمره ما وضح لك من غيره ، فكّر في أبنية أبدان الحيوان وتهيئتها على ما هي عليه ، فلا هي صلاب كالحجارة ، ولو كانت كذلك لا تنثني ولا تتصرّف في الأعمال ولا هي على غاية اللين والرخاوة ، فكانت لا تتحامل ولا تستقلّ بأنفسها ، فجعلت من لحم رخو ينثني تتداخله عظام صلاب يمسكه عصب وعروق تشدّه وتضّم بعضه إلى بعض ، وعليت [1] فوق ذلك بجلد يشتمل على البدن كلّه . ومن أشباه ذلك هذه التماثيل التي تعمل من العيدان وتلفّ بالخرق وتشدّ بالخيوط ويطلى فوق ذلك بالصمغ ، فتكون العيدان بمنزلة العظام والخرق بمنزلة اللحم ، والخيوط بمنزلة العصب والعروق ، والطلاء بمنزلة الجلد ، فإن جاز أن يكون الحيوان المتحرّك حدث بالإهمال من غير صانع ، جاز أن يكون ذلك في هذه التماثيل الميّتة ، فإن كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحريّ ألا يجوز في الحيوان . وفكّر بعد هذا في أجساد الأنعام فإنها خُلقت على أبدان الإنس من اللحم والعظم والعصب أعطيت أيضاً السمع والبصر ، ليبلغ الانسان حاجياته منها ، ولو كانت عمياً صمّاً لما انتفع بها الانسان ، ولا تصرّفت في شيء من مآربه ، ثمّ منعت الذهن والعقل لتذلّ للانسان ، فلا تمتنع عليه إِذا كدَّها الكدّ الشديد ، وحملها الحمل الثقيل ، فإن قال قائل : إِنه قد يكون للانسان عبيد من الإنس يذلّون ويذعنون بالكدّ الشديد وهم مع ذلك غير عديمي العقل والذهن ، فيقال في جواب ذلك : إِن هذا الصنف من الناس قليل ، فأمّا أكثر البشر فلا يذعنون