بينها قد جعلت كالمصفى للغداء ، ثمّ صيرورته دماً ونفوذه إلى البدن كلّه في مجار مهيّأة لذلك ، ثمّ كيفيّة تقسيمه في البدن وبروز الفضلة منه ، فكأنما الإمام كان الطبيب النطاسي الذي لم يماثله أحد في الطب ، والعالِم الماهر في التشريح الذي قضى عمره في عملية التشريح ، بل كشف الإمام في هذا البيان ( الدورة الدموية ) التي يتغنّى الغربيّون باكتشافها وقد سبقهم إليها بما يقارب اثني عشر قرناً . ثمّ ساق كلامه إلى نشوء الأبدان ونموّها حالاً بعد حال ، وما شرّف اللّه به الانسان من الميزة في الخلقة على البهائم ، ثمّ استطرد الكلام إلى الحواسّ التي خصّ اللّه بها الانسان وفوائد جعلها على النحو الموجود ، واختصاص كلّ منها بأثر لا تؤدّيه الثانية ، وهكذا يفيض في بيانه عن الأعضاء المفردة والمزدوجة والأسباب التي من أجلها جعلها على هذا التركيب ، إلى أن يطّرد في بيانه عمّا منحه الجليل من النِّعم في المطعم والمشرب ، وما جعل فيه من التمايز في الخلقة حتّى لا يشبه أحد الآخر . إِلى أن يقول عليه السّلام : لو رأيت تمثال الانسان مصوّراً على حائط فقال لك قائل : إِن هذا ظهر ههنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع ، أكنت تقبل ذلك ؟ بل كنت تستهزئ به ، فكيف تنكر هذا في تمثال مصوّر جماد ولا تنكر في الانسان الحيّ الناطق . أقول : ما أقواها حجّة ، وأسماه بياناً ، وأن كلّ ناظر فيه من أهل كلّ قرن يكاد أن يقول : إنه أتى به لأهل زمانه وقرنه في الحجّة والأسلوب لما يجده من ملائمة البيان والبرهان .