بما تذعن به الدواب من الحمل والطحن وما أشبه ذلك ، ولا يقومون بما يحتاجون إليه منه ، ثمّ لو كان الناس يزاولون مثل هذه الأعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الأعمال ، لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد والبغل الواحد إلى عدّة أناسي ، فكان هذا العمل يستفرّغ الناس حتّى لا يكون فيهم عنه فضل لشيء من الصناعات ، مع ما يلحقه من التعب الفادح في أبدانهم والضيق والكدّ في معاشهم . ثمّ أنه عليه السّلام أخذ يذكر المميّزات ، لكلّ نوع من الأنواع الثلاثة للحيوان وهي : الانسان ، وآكلات اللحوم ، وآكلات النبات ، وما يقتضي كلّ نوع منها حاجته من كيفيّة الأعضاء والجوارح ، فيأتيك بلطائف الحكمة ، وبدائع القدرة ، ومحاسن الطبيعة . ويدلّك على الحكمة في جعل العينين في وجه الدابّة شاخصتين والفم مشقوقاً شقاً في أسفل الخطم [1] ولم يجعل كفم الانسان ، إلى غير ذلك من خصوصيّات الأعضاء والجوراح . ويرشدك إلى الفطنة في بعضها اهتداءً لمصلحة كامتناع الايل [2] الآكل للحيّات عن شرب الماء ، لأن شرب الماء يقتله ، واستلقاء الثعلب على ظهره ونفخ بطنه إذا جاع ، حتّى تحسبه الطير ميّتاً ، فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها ، إلى غيرهما من الحيوانات ، فيقول الصادق عليه السّلام : مَن جعل هذه الحيلة طبعاً في هذه البهيمة لبعض المصلحة ؟ ثمّ أنه عليه السّلام تعرّض في كلامه للذرة والنملة والليث ، وتسمّيه العامّة أسد الذباب وتمام خلقة الذرة مع صغر حجمها ، والنملة وما تهتدي إليه لاقتناء
[1] بفتح وسكون ، من الطائر منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها . [2] كقنب وخلب وسيد : الوعل .