ودعائم وجدانيّة فإنهم ألسنة الحقّ وهداته ودعاة الايمان وأدلاؤه . وإِن أوّل من برهن على الوجود ولوازم الوجود بالأدلّة العقليّة والآثار المحسوسة أمير المؤمنين عليه السّلام حتّى كاد أن يشكّ في تلك الخطب بعض مَن يجهل أو يتجاهل مقام أبي الحسن من العلم الربّاني بدعوى أن العلم على تلك الأصول لم يكن معهوداً في ذلك الزمن ، وليت شعري إِن لم يعترف هذا الجاهل بأن علم أبي الحسن إِلهامي يستقيه من المنبع الفيّاض فإنه لا يجهل ما قاله النبي صلّى اللّه عليه وآله فيه : أنا مدينة العلم وعليّ بابها . ونسج على منوال أبي الحسن بنوه في هذا العلم فإنهم ما زالوا يفيضون على الناس من علمهم الزاخر عن الوجود ولوازمه ، وكيف يعبد الناس ربّاً لا يعرفونه ويطيعون نبيّاً يجهلونه ويتّبعون إِماماً لا يفقهون مقامه ، فالمعرفة قبل كلّ علم وأفضل كلّ علم ، يقول الصادق عليه السّلام : أفضل العبادة العلم باللّه [1] . وليس للسمع في تلك القواعد والأصول مدخل ، لأن التقليد في العقليّات لا يصحّ عند أرباب العقول . بلى قد يجيء النقل دليل ولكنه من الارشاد إلى حكم العقل ، أو الإشارة إلى الفطرة كما في قوله تعالى : " أفي اللّه شكّ فاطر السماوات والأرض " [2] وأمثاله من القرآن المجيد ، فإن هذه الآية الكريمة لم تحمّلك على القول بالوجود حتماً ، بل لفتتك إليه من جهة الأثر ومشاهدته . فإذا جاء عن الرسول وعترته أدلّة على هذه الأصول فما كلامهم في هذا إِلا إِرشاد إلى حكم العقل ، فإنهم ما زالوا يدلّون على العقل ويهدون إلى دلالته ، وهذا الصادق نفسه يقول : العقل دليل المؤمن ، ويقول : دعامة الانسان العقل ،