نعم إِنما الشأن في أن هذا الثناء خاصّ بالعلم الديني وعلمائه ، أو عامّ لكلّ علم وعالم ؟ إِخال أن الاختصاص بعلم الدين وعلمائه لا ينبغي الريب فيه فإن الأحاديث صرّحت به ، وكفى من الكتاب قوله تعالى : " إِنما يخشى اللّه من عباده العلماء " [1] وقد لا تجد خشية عند علماء الصنعة وما سواهم غير علماء الدين ، بل إِن بعضهم قد لا تجده يعترف بالوجود أو بالوحدانيّة . وما استحق علماء الدين هذا الثناء إِلا لأنهم يريدون الخير للناس ويسعون له ما وجدوا سبيلاً ومتى كانوا وجدتهم أدلاء مرشدين هداة منقذين . وعلم الدين إِلهامي وكسبي ، والكسبي يقع فيه الخطأ والصواب والصحّة والغلط ، وغلط العالم وخطأه يعود على العالم كلّه بالخطأ والغلط ، لأن النّاس أتباع العلماء في الأحكام والحلال والحرام ، واللّه جلّ شأنه لا يريد للناس إِلا العمل بالشريعة التي أنزلها ، والأحكام التي شرّعها ، فلا بدّ إِذن من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط ، ولا يسهو ولا ينسى ، ليرشد الناس إلى تلك الشريعة المنزلة منه جلّ شأنه ، والأحكام المشرّعة من لدنه سبحانه ، فلا تقع الأمّة في أشراك الأخطاء وحبائل الأغلاط ، ولا يكون ذلك إِلا إذا كان علم العالم وحياً أو إِلهاماً . فمن هنا كان حتماً أن يكون علم الأنبياء وأوصيائهم من العلم الإِيحائي أو الإِلهامي صوناً لهم وللأمم من الوقوع في المخالفة خطأً . واللّه تعالى قد أنزل شريعة واحدة لا شرائع ، وفي كلّ قضيّة حكماً لا أحكاماً ، ونصب للأمّة في كلّ عهد مرشداً لا مرشدين ، ونجدها اليوم شرائع ولها مشرّعون لا شريعة واحدة ومشرّعاً واحداً ، ونرى في كلّ قضيّة أحكاماً لا حكماً واحداً ، وفي كلّ زمن مرشدين متخالفين متنابذين بل يكفر بعضهم بعضاً ، ويبرأ بعضهم من بعض لا مرشداً واحداً ، وليس هذا ما جاء به المصلح الأكبر