أهُم الذين كانوا في البيت حين نزلت هذه الآية الكريمة ؟ أم كلّ مَن يمت إلى الرسول الأطهر بسبب أو نسب ؟ فإن قيل بالثاني فالواقع شاهد على خلافه ، لأنّا نجد في نسائه من خالفته وتظاهرت عليه ، ولا رجس أعظم من ذلك . فلا بدَّ من أن يكون نساؤه غير معنيّات بها ، واستثناء بعض النساء دون بعض تحكّم . هذا فيمن يمت إليه بالسبب ، ونجد البعض ممّن يمت إليه بالنسب يداني الموبقة ، ويقارب الجريمة ، ولا يصحّ أن يريد القدير سبحانه شيئاً بالإرادة التكوينيّة [1] ثم لا يقع ، فلمّا كان مستحيلاً أن يريد تكوين شيء فلا يكون عرفاً أن النساء وعامّة الهاشميّين غير مقصودين من الآية ، لإتيانهنّ وإتيانهم ما ينافي التطهير ، على أنه لم يقل أحد بعصمة نسائه والهاشميّين عامّة . ولو كان المقصود بها الإرادة التشريعيّة فلا وجه لإرادة التطهير من أهل البيت خاصّة ، لأنه تعالى يريده من الناس كافّة ، فاختصاصه بهم على وجه الميزة والفضيلة يدلّنا على تكوينه فيهم ، ثمّ إن الإرادة التشريعيّة إنما تتعلّق بفعل الغير ، ومتعلّقها في الآية فعل اللّه تعالى نفسه ، ولو كانت الإرادة تشريعيّة لقال : لتذهبوا وتطهروا أنفسكم . فلا شكَّ في أن المعنيّ من الآية هو المعنى الأول ، أعني أن المقصود منها أناس مخصوصون ، وهم الذين كانوا في بيت سيّد الرسل صلّى اللّه عليه وآله وقد جلّلهم بكسائه والتحف معهم به ، فنزلت هذه الآية عليهم وفيهم ، وهم عليّ وفاطمة وابناهما عليهم السلام ، وعلى ذلك صحاح الأحاديث من طرق الفريقين [2] .
[1] الإرادة التكوينيّة هي التي تتعلّق بفعل المريد نفسه وتقابلها الإرادة التشريعيّة التي تتعلّق بفعل الغير على أن يصدر من الغير وهي التي تكون في التكاليف . [2] انظر مجمع البيان وما رواه القوم في تفسيرها : 4 / 356 وتفسير الشوكاني : 4 / 270 ورواه من عِدّة طرق عن أمّ سلمة وعن عائشة وعن غيرهما ، وذكر ابن حجر في الصواعق ص 87 : أن أكثر المفسّرين إنها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام ، إلى غيرهم من أهل التفسير والحديث والتاريخ . وحاول الآلوسي في تفسيره روح المعاني بعد أن ذكر الأحاديث الجمّة الواردة في اختصاصها بأهل الكساء أن يعمّم الآية لهم وللنساء وللمؤمنين من بني هاشم ، وما ذكرناه كافٍ في ردّه .