والآخر لم يعرف إشرافه عليه فأساء أدبه وفعل ما لا يليق أن يفعل بحضرة الملك وكذا العارف بالله فإنه مشاهده في كل حالاته وأسراره فهو معه متأدب ومنه خائف وله مراقب والجاهل بالله خارج عن هذه الحالة راكب للجهالة ولهذا تقول إن كان العاصي يعتقد حين يواقع المعصية أن الله تعالى يراه فإنه جاهل حيث جعله أهون الناظرين وإن كان يعتقد أنه لا يراه فإنه لكافر فكلا الأمرين خطر عظيم وإثم جسيم ولا شك أن المعرفة توجب الخوف والحياء ومن علامات العارف أن يكون خاطره فارغا من علق الدنيا ومهامها مشغولا بأخطار الآخرة وأهوالها والعارف لا يأسف على شيء إلا على ما فات من ذكر الله فإنه أبدا لا يرى إلا الله فلا يأسف على شيء مع الله لأنه يرى ما سوى الله بعين الفناء والزوال فكيف ينظر إلى شيء فان زائل كما قال تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعني إلا ذاته سبحانه والعارف لا يخرج من الدنيا متأسفا إلا على قلة بكائه على ذنبه وتقصيره في ثنائه على ربه ولكل شيء ثمرة وثمرة المعرفة الهيبة والمخافة والأنس ولكل شيء عقوبة وعقوبة العارف فتوره عن الذكر وغفلته عن الفكر ومن علامات المعرفة شدة المحبة لله وإذا اشتدت محبة العارف بالله كان الله له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله إذا أحب عبدا قال لجبرائيل إني أحب فلانا فأحبوه ويوضع له القبول في الأرض والمحبة حالة شريفة كما أثنى الله تعالى بها على قوم فقال فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ومحبة الله للعبيد سبوغ نعمه عليهم في الدنيا مع طاعتهم له وإثباته لهم في الآخرة فأما إنعامه على الكفار والعصاة فإنما هو إملاء لهم واستدراج لم يصدر عن محبته كما قال تعالى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وقال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وقال تعالى أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ . ومحبة الله تعالى لأهل طاعته إرادة نفعهم وثوابهم وتسمى هذه المحبة رحمة منه وثناء على العبيد كما أن ذمه لمن غضب عليه بغض له ولقد ذهب المحبون