وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت فقال يا ابن غفلة إن اللبيب لا يتأثث في دار النقلة ولنا دار قد نقلنا إليها خير متاعنا وأنا عن قليل إليها صائرون وكان عليه السلام إذا أراد أن يكتسي دخل السوق فيشتري الثوبين فيخير قنبر أجودهما ويلبس الآخر ثم يأتي الخياط فيمد له أحد كمية ويقول خذه بقدومك ويقول هذه تخرج في مصلحة أخرى ويبقى الكم الآخر بحالها ويقول هذه تأخذ فيها من السوق للحسن والحسين . فلينظر العاقل بعين صافية وفكرة سليمة يتحقق له أنه لو يكون في الدنيا والإكثار منها خير لم يفت هؤلاء الأكياس الذين هم خلاصة الخلق وحجج الله على سائر الناس بل تقربوا إلى الله بالبعد عنها حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعبد الله بشيء مثل الزهد في الدنيا وروي أن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة لم أفقركم لهوانكم علي ولكن لما هو خير لكم وقال تعالى في بعض كتبه أف لكم لم أغن الغني لكرامته علي ولم أفقر الفقير لهوانه علي وإنما ابتليت الأغنياء بالفقراء ولو لا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يجمع الفقراء والأغنياء في رحبة الجنة يوم القيامة ثم يبعث مناديا ينادي من بطنان العرش يا معشر المؤمنين أيما رجل منكم وصله أخوه المؤمن في الله ولو بلقمة من خبز بإدامها خصه بها على مائدته فليأخذ بيده على مهل حتى يدخله الجنة قال فهم أعرف بهم يومئذ منهم بآبائهم وأمهاتهم قال فيجيء الرجل منهم حتى يضع يده على ذراع أخيه المكرم له الواصل له فيقول له يا أخي أما تعرفني ألست الصانع بي في يوم كذا وكذا من المعروف كذا وكذا فيذكره كل شيء صنع معه من البر والصلة والكرامة ثم يأخذ بيده فيقول إلى أين فيقول إلى الجنة فإن الله تعالى قد أذن لي بذلك