في البراري والقفار وإن كان في بحر غرق هو والمال وإن كان في بر أخذه منه القطاع وقتلوه فهو لا يزال على خطر به وبنفسه والفقير قد انقطع إلى الله وقنع بما يسد قوته ويواري عورته . قال بعض العلماء استراح الفقير من ثلاثة أشياء وبلي بها الغني قيل وما هي قال جور السلطان وحسد الجيران وتملق الإخوان . وقال بعضهم اختار الفقير ثلاثة أشياء اليقين وفراغ القلب وخفة الحساب واختار الأغنياء ثلاثة تعب النفس وشغل القلب وشدة الحساب . ولا شك أن الفقر حلية الأولياء وشعار الصالحين ففيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته ثم انظر في قصص الأنبياء عليه السلام وخصائصهم وما كانوا فيه من ضيق العيش فهذا موسى كليم الله الذي اصطفاه لوحيه وكلامه كان يرى خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله وما طلب حين آوى إلى الظل بقوله رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض وروي أنه عليه السلام قال يوما يا رب إني جائع فقال تعالى أنا أعلم بجوعك قال يا رب أطعمني قال إلى أن أريد وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام يا موسى الفقير من ليس له مثلي كفيل والمريض من ليس له مثلي طبيب والغريب من ليس له مثلي مؤنس ويروى أنه قال يا موسى ارض بكسرة من شعير تسد بها جوعتك وبخرقة تواري بها عورتك واصبر على المصائب وإذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل إنا لله وإنا إليه راجعون عقوبة عجلت في الدنيا وإذا رأيت الدنيا مدبرة عنك فقل مرحبا بشعار الصالحين يا موسى لا تعجبن بما أوتي فرعون وما متع به فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وأما عيسى ابن مريم روح الله وكلمته فإنه كان يقول خادمي يداي ودابتي رجلاي وفراشي الأرض ووسادي الحجر ودفئي في الشتاء مشارق الأرض