الباب الثامن والأربعون في فضيلة الفقر وحسن عاقبته الشاهد على فضيلة الفقراء على الأغنياء قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ومقداره خمسمائة عام وعن أبي عبد الله عليه السلام أن فقراء المؤمنين يتقلبون في رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ثم قال سأضرب لكم مثلا إنما مثل ذلك سفينتين مر بهما على باخس فنظر في إحداهما فلم يجد فيها شيئا فقال أسربوها ونظر في الأخرى فإذا هي موفورة فقال احبسوها وعن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة فقير وغني فيقول الفقير يا رب على ما أحاسب فوعزتك لقد علمت أني ما وليت ولاية فأعدل فيها أو أجور ولم تملكني مالا فأعطي حقه أو أمنعه ولقد كان يأتيني رزقي كفافا فيقول الله صدق عبدي أدخلوه الجنة ويبقى الغني حتى يسيل منه العرق ما لو شرب منه أربعون بعيرا لأصدرها ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير ما أخرك فيقول طول الحساب ما زال يحاسبني بالشيء بعد الشيء ويغفره الله لي ثم يحاسبني بآخر حتى تغمدني الله برحمته فمن أنت فيقول أنا الفقير الذي كنت واقفا معك في الحساب فيقول الغني لقد غيرك النعيم بعدي وهذا من أعظم نعم الله على الفقير خفة حسابه ودخوله الجنة قبل الغني ومن سعادة الفقير وراحته أنه لا يطالب في الدنيا بخراج ولا في الآخرة بحساب ولا يشتغل قلبه عن الله بهموم الغنى من حراسة المال والخوف عليه من السلطان واللصوص والحاسد وكيف يدبره وكيف ينميه ومقاساة عمارة الأملاك والوكلاء والأكاري وقسمة الزرع وتعب الأسفار وغرق المراكب وتمني الوارث موته ليرثوه وإذا خلا من آفة تذهبه حال حياته كان حسرة له عند مماته وطول حسابه في الآخرة ويرثه منه إما من تزوج بامرأته أو امرأة ابنه أو زوج ابنته لا بد من أحد هؤلاء يرثه ويحصل هو التعب والهموم وشغله به عن العبادة وتحظى به أعداؤه الذين لا يغنون عنه شيئا ولا يزال الغني مخاطرا بنفسه وبالمال