وروي أن الله أوحى إلى عيسى عليه السلام فإن اتعظت وإلا فاستحي مني أن تعظ الناس وعلامات السفهاء خمس قلة الحياء وجمود العين والرغبة في الدنيا وطول الأمل وقسوة القلب وقال الله تعالى في بعض كتبه ما أنصفني عبدي يدعوني فأستحي أن أرده ويعصيني ولا يستحي مني ونهاية الحياء ذوبان القلب للعلم بأن الله مطلع عليه وطول المراقبة لمن لا يغيب عن نظره سرا وعلانية وإذا كان العبد حال عصيانه يعتقد أن الله يراه فإنه قليل الحياء جاهل بقدرة الله وإن كان يعتقد أنه لا يراه فإنه كافر الباب الحادي والثلاثون في الحزن وفضله قال الله تعالى وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ وما كان حزنه إلا عبادة الله تعالى لا جزعا وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان دائم الفكر متواصل الحزن من أوصاف الصالحين وأن الله تعالى يحب كل قلب حزين وإذا أحب الله قلبا فصب فيه نائحة من الحزن ولا يسكن الحزن إلا قلبا سليما وقلب ليس فيه الحزن خراب ولو أن محزونا كان في أمة لرحم الله تلك الأمة فقال مصنف هذا الكتاب ليس العجب من أن يكون الإنسان حزينا بل العجب أن يخلو من الحزن ساعة واحدة وكيف لا يكون كذلك وهو يصبح ويمسي على جناح سفر بعيد أول منازله الموت ومورده القبر ومصدره القيامة وموقفه بين يدي الله تعالى أعضاؤه شهوده وجوارحه جنوده وضمائره عيونه وخلواته عيانه يمسي ويصبح بين نعمة يخاف زوالها وميتة يخاف حلولها وبلية لا يأمن نزولها مكتوم الأجل مكنون العلل محفوظ العمل صريع بطنته وعبد شهوته وعريف زوجته متعب في كل أحواله حتى في أوقات لذته بين أعداء كثيرة نفسه والشيطان والأمل والعائل يطلبونه بالقوت وحاسد يحسده وجار يؤذيه وأهل يقطعونه وقرين سوء يريد حتفه والموت متوجه إليه والعلل متقاطرة عليه ولقد جمع هذا كله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله عين الدهر تطرف بالمكاره والناس بين أجفانه والله لقد أفضح الدنيا ونعيمها ولذاتها الموت وما ترك لعاقل فيها