نام کتاب : مقارنة الأديان ، الإسلام نویسنده : الدكتور أحمد الشلبي جلد : 1 صفحه : 50
لقد كان حريا بقلب آمنة أن يتحطم ، ولكن التاريخ يثبت لنا هدوء آمنة في غمرة الحزن ، ورضاها مع الأسى ، وقد وجدت آمنة سلواها في جنينها ثم ولدته فأنست به ، وأصبح دنياها الذي نسيت له وبه كل شئ ، ولكن آمنة سرعان ما ماتت وطفلها في السادسة من عمره ، وكأنما أراد الله أن يتولى هو تنشئة الطفل ، وقد عبر القرآن عن هذا المعنى بقوله : " ألم يجدك يتيما فآوى [1] " وعبر عنه الرسول بقوله : أدبني رب فأحسن تأديبي " . وتولى عبد المطلب الإشراف على حفيده الحبيب ، ولكن عبد المطلب أيضا مات بعد سنتين من آمنة فتولى أبو طالب بن عبد المطلب كفالة محمد . وواجه محمد الحياة في ظل عمه أبي طالب ، تربى في بيته ، وساعده في أعماله التجارية ، وسافر معه إلى الشام متاجرا قبل أن يبلغ الحلم ، وعند ما كان في الرابعة عشرة من عمره وقعت حرب الفجار الرابعة ، وقد حضرها الرسول ، ويروى عنه قوله " كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار وأنا ابن أربع عشرة سنة " . وتقدم محمد نحو الشباب ، ولكنه كان طرازا وحيدا ، لم يشرك أترابه فيما اعتادوه من لهو وعبث ، فلم يشرب الخمر ، ولم يغش مجالس الميسر ، ولم يسجد لصنم قط ، وكان حليف الأمانة وحليف الصدق حتى عرفه الناس بالصادق الأمين . وتاجر محمد في مال خديجة بنت خويلد ، وسافر في هذه التجارة إلى الشام ، وصحبه ميسرة غلام خديجة ، وقد ربحت هذه التجارة ربحا عظيما وكانت سبب ارتباط بين محمد وخديجة ، وقد توج هذا الارتباط بزواجه منها وهو في الخامسة والعشرين وهي امرأة في الأربعين من عمرها تزوجت قبله مرتين .