بآية الزكاة ، وهذا وهم فاحش ، فإن حسن الإنفاق والندب إليه من محكمات الشريعة ومستحسنات العقل ، لما فيه من كرم الأخلاق واستحكام التقوى وحسن الاجتماع . ودوام العواطف ، وحفظ النوع ، وليت شعري من أين توهموا أن آية الزكاة ناسخة لآيات الانفاق ، فهل ترى في قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، وهل تشم منه رائحة المنافاة لآيات الانفاق . ومن ذلك جعلهم من بابا الناسخ والمنسوخ مثل قوله تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا . . ) ، وقوله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون إلا الذين آمنوا ) ، فتوهموا أن الاستثناء ناسخ لما قبله . وهل هذا إلا من الخلط والخبط بين الاستثناء والتخصيص المتصل بالكلام ، وبين النسخ المصطلح ، ولئن رضي المتكلف بعد هذا من النسخ الذي يندد به على قدس القرآن ، فماذا يقول إذن فيما يوجد منه كثيرا في العهدين ، أيقول مع ذلك وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ . ومن ذلك جعلهم من المنسوخ قوله تعالى في سورة التين 80 : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) . وكذا قوله تعالى في سورة البقرة 77 : ( وقولوا للناس حسنا ) فقالوا إن الآيتين منسوختان بآية السيف وهو توهم ظاهر ، فإن الآية الأولى لا ينبغي لأحد أن يتوهم فيها النسخ لأن مضمونها إخبار بأحسن الأساليب عن أن الله أحكم الحاكمين ، وهو كذلك جل شأنه في الأزل والأبد . . فإن قيل إنها منسوخة باعتبار لازم معناها وهو الأمر التفويض والتسليم ، قلنا : أين لفظها وسوقها من هذا المعنى ؟ أفليس قبلها قوله تعالى ( فما يكذبك بعد بالدين ) وإن السوق ليشهد بأن نظرها متوجه إلى المكذب بالدين ، وأين هذا من الأمر بالتسليم والتفويض ، ولو سلمنا ذلك لقلنا إن آية السيف والجهاد الواجب من حكم الله الذي يجب التفويض والتسليم له . وأما الآية الثانية فهي حكاية عما عهده لبني إسرائيل وأمرهم به ، فأين وأين هي من آية السيف ، بل لو كانت خطابا لهذه الأمة لكانت من المحكمات