- ثم يأتي زمن الارتداد عن الدين ، حتى يظهر ، في الوقت المحدد ، امرؤ يقال له الملحد ، وهو مسيح دجال حقيقي ، سيكون أشبه بتجسيد لقوى الشر كلها . والمعجزات والأعاجيب التي يجريها ستتم تضليل الذين لم يتقبلوا الحق ( 2 / 10 ) . وستحمله كبرياؤه على أن يظهر نفسه أنه إله ويجلس في الهيكل . وإذا لم يكن هذا الملحد قد أتى يوم كتبت هذه الرسالة فلأن أمرا ما وشيئا ما لا يزالان يعوقانه ( 2 / 6 - 7 ) ، من غير أن نعرف معرفة دقيقة من يشار إليه بذلك . لا شك أن الذين كتبت إليهم الرسالة يفهمون هذا التلميح . فمن الواضح ، على كل حال في نظر الكاتب ، أن هناك مهلة غير محدودة منوطة بهذا العائق الغامض ، ولا تزال تفصل بين الوقت الذي فيه يكتب والوقت الذي يظهر فيه الملحد قدرته الشيطانية علانية . - ولن يظهر الرب في حينه إلا بعد مجئ ذلك الملحد ، وعندئذ يبيده . فالذين في تسالونيقي يعتقدون أن لهم أن يعيشوا كما لو كان يوم الرب قد حضر . نسوا تعليم الرسول ( 2 / 3 ) ، وهم في الضلال ، لأنهم أخلدوا إلى الطمأنينة قبل وقتها . وهم يخطأون إذ يكفون أنفسهم مؤونة كفاح الأزمنة الأخيرة واضطراباتها . إن المعركة سيشتد وطيسها قبل ظفر المسيح في النهاية ، وسيكون السهر والفطنة ضرورين أكثر منهما في كل وقت آخر . أجل ، لقد دعا الإنجيل المسيحيين إلى مشاركة المسيح في مجده ( 2 / 4 ) ، ولكن هناك ، قبل المجد ، الاضطهاد والعذاب ( 1 / 4 - 5 ) ، ولا يمكن تجاوزهما إلا بالتقدم في المحبة والإيمان والثبات . فقد جعل لاقتراب النهاية حدود على نحو واضح ، بالنظر إلى ما جاء في هذا الموضوع في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي . في رأي الرسالة الثانية أنه ، لما كان الناس يعيشون أوائل الأزمنة التي ذكرت في الرؤى ، وجبت مقاومة كل قلب فيه تسرع للنظام القائم في الجماعة والمجتمع ( الامساك عن العمل ) . يجب الابتعاد عن الذين يريدون العيش في مظاهر ظفر لم يتحقق بعد ، والكف عن كل مخالطة لهم ، إذا اقتضى الأمر ذلك ( 3 / 4 ) . إن الفصل الأخير للمأساة البشرية هو الذي سيبدل الأحوال . ولم يبلغ حتى اليوم الفصل قبل الأخير . وهكذا يرى أن الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هي أول نص يستعمل هذه العبارات ليطرح المسألة التي ستعود المسيحية إلى طرحها على مر الأجيال ، طالما ظلت تفكر في إيمانها ورجائها بأسلوب الرؤى . إن كلا من الرسالتين إلى أهل تسالونيقي شهادة رئيسية في شأن الكنيسة القديمة ورجائها . فخلوهما من الشرح العقائدي الطويل لا يجعل منهما مؤلفين قليلي الشأن . فإنهما ، على ما فيهما من البساطة ، تذكران جميع ما فيه الإيمان المشترك عند المسيحيين الأولين ، وما اختبر المرسلون الأولون ، أي حب الله الذي يدعو ، وسيادة المسيح الذي تنتظر عودته برغبة شديدة ، وعمل الروح القدس الفياض في كلمة البشارة وفي حياة الجماعات والتيقن من القيامة ، والثبات في الاضطهاد ، والمحبة الأخوية التي تجعل المسيحيين والجماعات متضامنين . فكيف لا يعود المسيحي كل حين إلى هذا الينبوع ، وكيف لا يجد فيه دائما أبدا دعوة إلى أن يحيا في عصره بالرجاء نفسه وبالرغبة نفسها ؟