لم يزل عن الوجود كل انتظار لنهاية العالم ، ولكن التنازع بين الحاضر والمستقبل خلفه تنازع آخر ، فإن الخلاص الذي تم في المسيح وكشف عنه في الكنيسة سيبلغ تمامه بنمو الجسد ، ذلك النمو الذي يبلغ الدوائر السماوية نفسها . ويصبح الخلاص حقيقة تسير إلى الكمال . فالمسيح قد نال الخلاص منذ اليوم ، والمعمدون " قاموا ورفعوا مع المسيح " في المجد . وكذلك التبشير بالنعمة لم يبق مقترنا بموضوع الآخرة والدعوى الكبيرة بين الله وشعبه . زالت الاصطلاحات القضائية وحلت محلها الروحانية . نحن عند فاتحة التطور الذي قرب بعد حين المسيحية من ديانات الخلاص . وهذا أيضا شأن الصلة بين إسرائيل والأمم . ففي الرسالة إلى أهل رومة يتم الاتحاد بضم إسرائيل كله والوثنيين كلهم ، ويبقى كل من الفريقين مميزا من الآخر . أما في الرسالة إلى أهل أفسس ، فالاتحاد يتم على وجه يكون فيه كل فرق من أشياء الماضي . يظهر بولس في الرسالة إلى أهل رومة كمن ينتظر انتظارا أشبه بما في كتب الرؤى من اهتداء إسرائيل آخر الأمر ، ويظهر قلقه في مصير شعبه . وأما في الرسالة إلى أهل أفسس فهناك اليقين بتلاق قد تم في الكنيسة . إن طريقة التفكير في الرسالة إلى أهل رومة من النوع القضائي ، وأما في الرسالة إلى أهل أفسس فللمصالحة طابع خلقي وكوني معا ( راجع روم 6 - واف 2 / 11 - 21 ) . كانت كلمة " الكنيسة " في الرسائل السابقة تعني الكنائس المحلية على العموم . أما في الرسالة إلى أهل أفسس فهي تعد ، على أثر الرسالة إلى أهل قولسي ، حقيقة شاملة تكاد تكون أشبه بشخص كما كان شأن حكمة الله . ترفع الرسالة إلى أهل أفسس إلى المستوى الشامل ما ورد في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس من تطور رعائي عملي . كانت الكنيسة كنيسة مرتبطة بالزمن ، تعيش في التاريخ ، فأخذت تبدو كأنها أبدية . ورد في الرسالة إلى أهل قولسي أن الكمال يحل في المسيح ، وأما في الرسالة إلى أهل أفسس ، فإن الكنيسة هي كمال المسيح . وما قيل في المسيح من أنه رأس الكون أصبح يقال في الكنيسة . وموضوع الجسد ، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع بيت الله ، تلقى تعبيره الأخير واغتنى بتبسيط جديد في سر اتحاد المسيح والكنيسة . وهو مثال اتحاد الزوجين . وفيه يعبر عن سيادة المسيح ومسؤولية الكنيسة . سواء اكتب الرسالة بولس في آخر قيامته بخدمته ، أم أحد أمناء سره ، وقد استعمل ما تلقى من توجيهات ، أم أحد ورثته الروحيين ، وقد وجد نفسه في الموقف الحرج الذي مرت به المسيحية بعد جيل الرسل ، فإن كاتب الرسالة إلى أهل أفسس قد خط ، فضلا عن متى ولوقا ويوحنا ، جوابا من أعظم الأجوبة التي أتى بها مسيحيو ذلك الحين لمشكلة مستقبلهم . أراد أن يسير بالمؤمنين فيتنبهوا تنبها تاما لما تبدل رأسا على عقب في العالم على أثر موت يسوع ورفعه . لقد أدرك قيمة عطاء الله وأشاد به ، وقد رآه من بعد ذلك اليوم في تكوين الكنيسة . أدرك أن فيها عربونا لحالة غير قابلة للعودة إلى الوراء . يحسن بالمرء ، على كل حال ، أن يقرأ الرسالة إلى أهل أفسس قراءته لشرح شعري تعليمي للإيمان المسيحي ، لا قراءته لرسالة وليدة الأحداث .