الرسالة إلى أهل أفسس عودة إلى الموضوعات المشروحة في رسائل أخرى ، ولكن على وجه يجعل الصلة بين الرسالة إلى أهل أفسس وبين الرسالة إلى رومة والأولى إلى أهل قورنتس والرسالة إلى أهل غلاطية ، لا بل الرسالة إلى أهل قولسي ، ناجمة عن أمور علقت بذهن الكاتب ، وعن رجوع على المعاني التي وردت في تبشير الرسل ، أقل منها عن تأثير مباشر لتلك الرسائل . فالرسالة إلى أهل قولسي على الخصوص تبدو أقرب إلى رسائل أخرى لبولس بالانشاء والأسلوب ، في حين أن الرسالة إلى أفسس أغنى بالموضوعات الخاصة ببولس . ( فلا أثر للخلاص بالنعمة وشعب الله والروح القدس في الرسالة إلى أهل قولسي ) . إن وجوه الشبه فيها بمؤلفات قمران أكثر عددا ، فتأثير الأسينيين يزداد وقعه شدة في التعليم المسيحي الشائع عند الجيل الثاني . ويلاحظ أيضا الدور الذي كان للأدب الحكمي ، وقد ظهر ظهورا واضحا في الرسالة إلى أهل قولسي ، فإن الألفاظ " الحكمة والسر والملء " تتكاثر ، وربما أخذت تطبع ببعض التطورات التي أدت بعدئذ إلى العرفان . وآخر الأمر قد يفسر تأخير تحديد وقت لتاريخ الرسالة تلك الصلات القائمة بين الرسالة إلى أهل أفسس والرسائل الرعائية ، إذا رئي أنها أتت بعد بولس . ويفسر أيضا ذلك التأخير تلك الصلاة القائمة بين الرسالة المذكورة وتراث يوحنا . ويمكن عندئذ أن ينسب هذا كله إلى بيئة واحدة هي أفسس . ولكن تفحص العقيدة اللاهوتية التي وردت في الرسالة هو الذي ، قبل كل شئ آخر ، يمكننا من الإحاطة بالطابع الذي يطبع الرسالة . [ العقيدة اللاهوتية في الرسالة : التأصل في بولس والمجال الجديد للنظر ] ومهما يكن ، فإن الرسالة إلى أهل أفسس مطبوعة طبعا شديدا بفكر الرسول بولس . ولولا هذه الروابط المدهشة ، لما كان هناك مشكلة . ها هو ذا تعداد سريع لتلك الروابط : - إن العمل العظيم الذي أتمه الله في يسوع المسيح راسخ في لب رسالة بولس : فالمعمودية تعني على وجه حاسم اشتراك المسيحيين في مصير المسيح - التبشير بالنعمة والإشادة بها يطبعان الرسالة بالطابع الغالب عليها ، من البركة التي تفتتحها ( 1 / 3 - 14 ) إلى الارشادات الواردة في الخاتمة ( 2 / 1 - 10 و 4 / 7 ) . - ترتبط مصالحة العالم بهدم الحاجز الذي كان يفصل إسرائيل من سائر الأمم . لقد أصبح الوثنيون منذ ذلك الحين أبناء وطن ملكوت الله على وجه تام ( 2 / 11 - 22 ) . - يقوم بولس في خدمته برسالة عهد الله بها إليه ( 3 / 2 - 13 ) . - الكنيسة هي شعب الله وجسد المسيح ، على ما ورد في الرسالة إلى أهل أفسس ، ولا أثر في الرسالة لشئ من النظريات الكونية . فالوحي الإلهي لا يكشف عنه في نظرية أو نظام فكري ، بل يكشف عنه للجماعة المسيحية وعن يدها ، وهي توضيح " للسر " . غير أن تراث بولس هذا تعرض لتحويل شديد لا يمكن أن ينسب إلى الموضوعات الجديدة التي ظهرت في الرسالة إلى أهل قولسي فحسب . فإن ما أخذ ينشأ من امتداد في المعاني قد أصبح بارزا حتى ظهر في صورة إجمالية طريفة .