وَهُوَ إشَاعَةُ تَقْلِيدِ الْمُوَلَّى فِي أَهْلِ عَمَلِهِ لِيَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ وَيَنْقَادُوا إلَى حُكْمِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الطَّاعَةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ ، فَإِذَا صَحَّتْ عَقْدًا وَلُزُومًا بِمَا وَصَفْنَا صَحَّ فِيهَا نَظَرُ الْمُوَلِّي وَالْمُوَلَّى كَالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا اسْتِنَابَةٌ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَقَامُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَلَّى وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي وَكَانَ لِلْمُوَلِّي عَزْلُهُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ .وَلِلْمُوَلَّى عَزْلُ نَفْسِهِ عَنْهَا إذَا شَاءَ غَيْرَ أَنَّ الْأَوْلَى بِالْمُوَلِّي أَنْ يَعْزِلَهُ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَأَنْ لَا يَعْتَزِلَ الْمُوَلَّى إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِمَا فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِذَا عَزَلَ أَوْ اعْتَزَلَ وَجَبَ إظْهَارُ الْعَزْلِ كَمَا وَجَبَ إظْهَارُ التَّقْلِيدِ حَتَّى لَا يَقْدَمُ عَلَى إنْفَاذِ حُكْمٍ وَلَا يَغْتَرُّ بِالتَّرَافُعِ إلَيْهِ خَصْمٌ ، فَإِنْ حَكَمَ بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَدْ عَرَفَ عَزْلَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ، وَإِنْ حَكَمَ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَزْلِهِ كَانَ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَجْهَانِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي عُقُودِ الْوَكِيلِ . ( فَصْلٌ ) وَلَا تَخْلُو وِلَايَةُ الْقَاضِي مِنْ عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَامَّةً مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ فَنَظَرُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : ( فَصْلٌ ) فِي الْمُنَازَعَاتِ وَقَطْعُ التَّشَاجُرِ وَالْخُصُومَاتِ ، إمَّا صُلْحًا عَنْ تَرَاضٍ وَيُرَاعَى فِيهِ الْجَوَازُ أَوْ إجْبَارًا بِحُكْمٍ بَاتٍّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوُجُوبُ .وَالثَّانِي اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ مِمَّنْ مَطَلَ بِهَا وَإِيصَالُهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إقْرَارٌ ، أَوْ بَيِّنَةٌ .وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ حُكْمِهِ فِيهَا بِعِلْمِهِ ؛ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَصَحُّ قَوْلَيْهِ ، وَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِعِلْمِهِ فِيمَا عَلِمَهُ فِي وِلَايَتِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَهَا .وَالثَّالِثُ : ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ كَانَ مَمْنُوعَ التَّصَرُّفِ بِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا وَتَصْحِيحًا لِأَحْكَامِ الْعُقُودِ فِيهَا .وَالرَّابِعُ : النَّظَرُ فِي الْأَوْقَاتِ بِحِفْظِ أُصُولِهَا وَتَنْمِيَةِ فُرُوعِهَا وَالْقَبْضِ عَلَيْهَا وَصَرْفِهَا فِي سَبِيلِهَا ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ فِيهَا رَاعَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْخَاصِّ فِيهَا إنْ عَمَّتْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْعُمُومِ وَإِنْ خُصَّتْ .وَالْخَامِسُ : تَنْفِيذُ الْوَصَايَا عَلَى شُرُوطِ الْمُوصِي فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَحْظُرْهُ .وَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيِّنِينَ كَانَ تَنْفِيذُهَا بِالْإِقْبَاضِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْصُوفِينَ كَانَ تَنْفِيذُهَا أَنْ يَتَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّوهَا بِالِاجْتِهَادِ وَيَمْلِكُوا بِالْإِقْبَاضِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَصِيٌّ رَاعَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهُ .وَالسَّادِسُ : تَزْوِيجُ الْأَيَامَى بِالْأَكْفَاءِ إذَا عَدِمْنَ الْأَوْلِيَاءَ وَدُعِينَ إلَى النِّكَاحِ ، وَلَا يَجْعَلُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حُقُوقِ وِلَايَتِهِ لِتَجْوِيزِهِ تُفْرَدُ الْأَيِّمُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ .وَالسَّابِعُ : إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَفَرَّدَ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ