بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ : لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَزْرَعَهُ أَوْ يَغْرِسَهُ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السُّكْنَى الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي تَمَلُّكِ الْمَسْكُونِ ، فَإِنْ زَارَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ مَنْ قَامَ بِحَرْثِهَا وَزِرَاعَتِهَا كَانَ الْمُحْيِي مَالِكًا لِلْأَرْضِ وَالْمُثِيرُ مَالِكًا لِلْعِمَارَةِ ، فَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْأَرْضِ بَيْعَهَا جَازَ ، وَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْعِمَارَةِ بَيْعَهَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَ لَهُ إثَارَةٌ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إثَارَةٌ لَمْ يَجُزْ .وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعِمَارَةِ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَيَجْعَلُ الْأَكَّارَ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ .وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعِمَارَةِ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ كَشَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ دُونَ الْإِثَارَةِ ، وَإِذَا تَحَجَّرَ عَلَى مَوَاتٍ كَانَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ مَنْ أَحْيَاهُ كَانَ الْمُحْيِي أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُتَحَجِّرِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَحَجِّرُ عَلَى الْأَرْضِ بَيْعَهَا قَبْلَ إحْيَائِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَجَوَّزَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ بِالتَّحْجِيرِ عَلَيْهَا أَحَقَّ بِهَا جَازَ لَهُ بَيْعُهَا كَالْأَمْلَاكِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَهَا فَتَغَلَّبْ عَلَيْهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَنْ أَحْيَاهَا فَقَدْ زَعَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ثَمَنَهَا لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَلَفِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ .وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ : إنَّ الثَّمَنَ يَسْقُطُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ ، فَأَمَّا إذَا تَحَجَّرَ وَسَاقَ الْمَاءَ وَلَمْ يَحْرُثْ فَقَدْ مَلَكَ الْمَاءَ ، وَمَا جَرَى فِيهِ مِنْ الْمَوَاتِ ، وَحَرِيمَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ مَا سِوَاهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ أَحَقَّ ، وَجَازَ لَهُ بَيْعُ مَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ .وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَحْجُورِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ .وَمَا أُحْيِيَ مِنْ الْمَوَاتِ مَعْشُورٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ سَوَاءٌ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ : إنْ سَاقَ إلَى مَا أَحْيَاهُ مَاءَ الْعُشْرِ كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ ، وَإِنْ سَاقَ إلَيْهَا مَاءَ الْخَرَاجِ كَانَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ .وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمُحْيَاةُ عَلَى أَنْهَارٍ حَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَنْهَارٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ مَا أُحْيِيَ مِنْ مَوَاتِ الْبَصْرَةِ وَسِبَاخِهَا أَرْضُ عُشْرٍ .أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَلِأَنَّ دِجْلَةَ الْبَصْرَةَ مِمَّا أَجْرَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الْأَنْهَارِ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ فَهِيَ مُحْيَاةٌ احْتَفَرَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَوَاتِ .وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّ مَاءَ الْخَرَاجِ يَفِيضُ فِي دِجْلَةِ الْبَصْرَةِ وَفِي جُزُرِهَا وَأَرْضُ الْبَصْرَةِ تَشْرَبُ مِنْ مَدِّهَا ، وَالْمَدُّ مِنْ الْبَحْرِ ، وَلَيْسَ مِنْ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ يُفِيدُ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنْ الْبَحْرِ ، وَلَا يَمْتَزِجُ بِمَائِهِ وَلَا تُشْرَبُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ شَرِبَهَا