* ( وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) * تَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : هُدًى لَهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ .وَالثَّانِي إلَى عِبَادَتِهِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ .* ( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) * .وَكَانَتْ الْآيَةُ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ تَأْثِيرَ قَدَمَيْهِ فِيهِ ، وَهُوَ حَجَرٌ صَلْدٌ ، وَالْآيَةُ فِي غَيْرِ الْمَقَامِ : أَمْنَ الْخَائِفِ وَهَيْبَةَ الْبَيْتِ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ ، وَامْتِنَاعَ الطَّيْرِ مِنْ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ ، وَتَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ عَتَا فِيهِ ؛ وَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ ، وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ قُلُوبَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَعْظِيمِهِ ، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ وَلَا مُتَّبِعِي شَرْعٍ يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَهُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَرَى فِيهِ قَاتِلَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ فَلَا يَطْلُبُهُ بِثَأْرِهِ فِيهِ .وَكُلُّ ذَلِكَ آيَاتُ اللَّهِ تَعَالَى أَلْقَاهَا عَلَى قُلُوبِ عِبَادِهِ .وَأَمَّا أَمْنُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى * ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) * تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا آمِنًا مِنْ النَّارِ ، وَهَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ .وَالثَّانِي آمِنًا مِنْ الْقَتْلِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْإِحْرَامَ عَلَى دَاخِلِهِ وَحَظَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهُ مُحِلًّا .وَقَالَ أَيْضًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ حَلَالًا : * ( أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَلَمْ تَحُلَّ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) * .ثُمَّ قَالَ : * ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ) * .فَجَعَلَ حَجَّهُ فَرْضًا بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي الصَّلَاةِ قِبْلَةً ، لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَالْحَجُّ فُرِضَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ .وَإِذْ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَكَّةَ لِلْكَعْبَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ عِبَادَتَانِ وَبَايَنَتْ بِحُرْمَتِهَا سَائِرَ الْبُلْدَانِ وَجَبَ أَنْ نَصِفَهَا ثُمَّ نَذْكُرَ حُكْمَ حَرَمِهَا .فَأَمَّا بِنَاؤُهَا فَأَوَّلُ مَنْ تَوَلَّاهُ بَعْدَ الطُّوفَانِ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : * ( وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) * .فَدَلَّ مَا سَأَلَاهُ مِنْ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا بِبِنَائِهَا مَأْمُورَيْنِ ، وَسُمِّيَتْ كَعْبَةً لِعُلُوِّهَا مَأْخُوذٌ