وَبَكَّةُ الْمَسْجِدُ .وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ .وَحَكَى مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ : كَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُسَمَّى صَلَاحًا لِأَمْنِهَا ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ لِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ( مِنْ الْوَافِرِ ) :أَبَا مَطَرٍ هَلُمَّ إلَى صَلَاحِ * فَيَكْفِيَكَ النَّدَامَى مِنْ قُرَيْشِ وَتَنْزِلُ بَلْدَةً عَزَّتْ قَدِيمًا * وَتَأْمَنُ أَنْ يَزُورَكَ رَبُّ جَيْشِ وَحَكَى مُجَاهِدٌ أَنَّ أُمَّ زَحْمٍ وَالْبَاسَّةَ ، فَأَمَّا أُمُّ زَحْمٍ فَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَزَاحَمُونَ بِهَا وَيَتَنَازَعُونَ ، وَأَمَّا الْبَاسَّةُ فَلِأَنَّهَا تَبُسُّ مِنْ الْحَدِّ فِيهَا أَيْ تُحَطِّمُهُ وَتُهْلِكُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :* ( وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا ) * .وَيُرْوَى النَّاسَّةُ بِالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَنِسُّ مِنْ الْحَدِّ فِيهَا أَيْ تَطْرُدُهُ وَتَنْفِيهِ .وَأَصْلُ مَكَّةَ وَحُرْمَتُهَا مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُرْمَةِ بَيْتِهِ حَتَّى جَعَلَهَا لِأَجْلِ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَ بِرَفْعِ قَوَاعِدِهِ وَجَعَلَهُ قِبْلَةَ عِبَادِهِ أُمُّ الْقُرَى كَمَا قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - : * ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) * .وَحَكَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ سَبَبَ وَضْعِ الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ بِهِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : * ( إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) * .فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ فَعَاذُوا بِالْعَرْشِ فَطَافُوا حَوْلَهُ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ يَسْتَرْضُونَ رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ .وَقَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي فِي الْأَرْضِ بَيْتًا يَعُوذُ بِهِ مَنْ سَخِطْتُ عَلَيْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَيَطُوفُ حَوْلَهُ كَمَا فَعَلْتُمْ بِعَرْشِي فَأَرْضَى عَنْهُمْ فَبَنَوْا لَهُ هَذَا الْبَيْتَ ، فَكَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * ( إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) * فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلْعِبَادَةِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِغَيْرِهَا ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ قَدْ كَانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بَيْتٌ .وَفِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى * ( مُبَارَكًا ) * تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ بَرَكَتَهُ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ثَوَابِ الْقَصْدِ إلَيْهِ .وَالثَّانِي أَنَّهُ أَمْنٌ لِمَنْ دَخَلَهُ حَتَّى الْوَحْشِ فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الظَّبْيُ وَالذِّئْبُ .