أو دنياه مضرة ، فإن كان كذلك جاز . ( ورب هجر جميل من مخالطة ) مؤذية ، وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير [1] . وفيه : قوله ( باب ما يجوز من الهجران لمن عصى ) أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجرة سبب مشروع ، فتبين هنا السبب المسوغ للهجر هو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها [2] . وقد مر عن البخاري ( فلم تزل مهاجرته ) ، وفي رواية معمر : ( فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ) . في ( الفتح ) : وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله " غضبت " يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة ، وهذا صريح الهجران ، وأما ما أخرجه أبو داود من طريق أبي الطفيل قال : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله ( ص ) أم أهله ، قال : لا بل أهله قالت : فأين سهم رسول الله ( ص ) ، قال : سمعت رسول الله يقول : إن الله إذا أطعم نبيا طعمة جعلها للذي يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين قالت : فأنت وما سمعته [3] . فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران ، ولا يدل على الرضا بذلك . ( ثم نقل عن البيهقي قصة إرضاء أبي بكر فاطمة ) وقال : هو مرسل . وأما إرضاء أبي بكر فاطمة ( ع ) ليس بسديد لوجوه ، أحدها : الإغضاب متفق عليه ، والإرضاء مختلف فيه ، وغير مسلم . فالمتفق عليه لا يسقط عن الاحتجاج إلا بمثله . ثانيها : ثبوت هجرانها ، وعدم تكلمها به حتى ماتت . ثالثها : وصيتها لعلي ع ) بعدم الإيذان لأبي بكر على جنازتها ( كما مر ) ، ولم يصل أبو بكر عليها ( كما قال الشيخ في أشعة اللمعات ، وكذا في الفتح ، وإزالة الخفاء ، وغيرها ) . ورابعها : قولها ( عليها السلام ) : " أشكو إلى النبي " - كما مر من الإمامة والسياسة [4] - . وخامسها : أن رواية السخط مذكورة في ( الصحيحين ) ، ورواية الرضا في ( البيهقي ) ، ومن المسلمات أن رواية الصحيحين أوثق من غيرهما عندهم ( كما في جامع الأصول ) . النوع الأول من المتفق عليه اختيار الإمامين أبي عبد الله البخاري ، وأبي الحسن مسلم وهو الدرجة العليا من الصحيح ، فثبت أن رواية ( الرضا ) ساقطة عن الاعتبار لأن ( السخط ) متيقن ، وهو لا يزول بالشك ، كما هو مبرهن في مقامه ، وما جاء في بعض الروايات من دعوى الإرث ، وفي بعضها من دعوى الهبة ، فلا منافاة بينهما ، لأنها ( عليها السلام ) ادعت مرة بالإرث ، ومرة بالهبة لإتمام الحجة ، ولا يخفى أن غضب فاطمة مقرون بغضب النبي ( ص ) ، وغضبه ( عليه السلام ) مقرون بغضب الله تعالى . كما جاء في الصحيحين " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " . وفي رواية " يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها " البخاري ، وكذا في الخصائص للنسائي ، وفي مسلم [5] . وروى الترمذي