الْوَجْهُ السَّادِسُ : وَفِيهِ أَجْوِبَةٌ : أَحَدُهَا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَجْرَى الْبَوْلِ ، فَقَدْ قِيلَ : إنَّ بَيْنَهُمَا جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ ، وَأَنَّ الْبَوْلَ إنَّمَا يَخْرُجُ رَضْحاً ، وَهَذَا مَشْهُورٌ .وَبِالْجُمْلَةِ : فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ اتِّصَالِهِمَا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْلُوماً إلَّا فِي ثَقْبِ الذَّكَرِ ، وَهُوَ طَاهِرٌ أَوْ مَعْفُوٌّ عَنْ نَجَاسَتِهِ .الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ جَرَى فِي مَجْرَاهُ ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ ظُهُورِهِ نَجِسٌ ، كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي الدَّمِ ، وَهُوَ فِي الدَّمِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الْبَوْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ وَبَعْضٌ وَهَذَا فَضْلٌ .الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِساً ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُمَاسَّةَ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مُوجِبَةٌ لِلتَّنْجِيسِ ، كَمَا قَدْ قِيلَ فِي الِاسْتِحَالَةِ ، وَهُوَ فِي الْمُمَاسَّةِ أَبْيَنُ ، يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْله تَعَالَى : { مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ } .وَلَوْ كَانَتْ الْمُمَاسَّةُ فِي الْبَاطِنِ لِلْفَرْثِ مَثَلاً مُوجِبَةً لِلنَّجَاسَةِ لَنَجِسَ اللَّبَنُ .فَإِنْ قِيلَ : فَلَعَلَّ بَيْنَهُمَا حَاجِزاً ؟قِيلَ : الْأَصْلُ عَدَمُهُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُ هَذَا فِي مَعْرِضِ بَيَانِ ذِكْرِ الِاقْتِدَارِ بِإِخْرَاجِ طَيِّبٍ مِنْ بَيْنِ خَبِيثَيْنِ فِي الِاغْتِذَاءِ ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجِزِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ الْحَاجِزِ ظَاهِرٌ فِي كَمَالِ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ .وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { خَالِصاً } وَالْخُلُوصُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ قِيَامِ الْمُوجِبِ لِلشُّرْبِ .وَبِالْجُمْلَةِ : فَخُرُوجُ اللَّبَنِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ ، وَقَدْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ مَنْ رَأَى إنْفَحَةَ الْمَيْتَةِ وَلَبَنَهَا طَاهِراً ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِراً .وَإِنَّمَا حَدَثَ نَجَاسَةُ الْوِعَاءِ ، فَقَالَ : الْمُلَاقَاةُ فِي الْبَاطِنِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ ، وَمَنْ نَجَّسَ هَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنِيِّ ، بِأَنَّ الْمَنِيَّ يَنْفَصِلُ عَنْ النَّجَسِ فِي الْبَاطِنِ ، أَيْضاً بِخِلَافِ اللَّبَنِ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا بَعْدَ إبْرَازِ الضَّرْعِ ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي حَدِّ مَا يَلْحَقُهُ النَّجَاسَةُ .وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى .وَهَذَا الَّذِي حَضَرَنِي فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .